وبعد ذلك رأى فى نفسه القدرة على الاستقلال فاستقل بحكومة مصر، وأسس بها العائلة الأيوبية. ومات نور الدين سنة ١١٨٣، فطمع فى مملكته، وأغار عليها، واستحوذ عليها جميعها، وجرد أولاد سيده نور الدين من ملك أبيهم.
ثم فى سنة ١١٨٨ توجه إلى بلاد القدس وحاصرها، وتغلب عليها، وطرد ملكها منها، وسطا على ملك النصارى بالبلاد الشامية وبلاد فلسطين، وجلاهم عنها، وشاع ذكره، واشتهر أمره ببلاد أوروبا والمشرق، وخافه الخلق أجمعون؛ لشهامته وحسن تدبيره ونظره فى الأمور.
وهو الذى لهج المؤرخون بمدحه، من بين من جلس على تخت هذه الديار قبله وبعده، ومع ذلك لما مات لم يوجد فى خزائنه إلا سبعة وأربعون درهما ودينار واحد، ولم يخلف ملكا ولا عقارا، ولكن لا تخفى فعلته التى فعلها بسيديه الأول: نور الدين وأولاده، والثانى: العاضد وأولاده، لأنه لما توفى العاضد، استحوذ على القصر بما فيه من نفائس الأموال، واعتقل أقاربه من نساء ورجال، ومنعهم عن نسائهم لئلا يتناسلوا، ولكن أين صاحب فضل لم يغلب عليه الطمع؟ ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلها؟.
ثم مات سنة ١١٩٣، فقسمت دولته بين ولديه العزيز والأفضل، وعلت كلمة الأيوبية فى الديار المصرية.
ولكنها لم تبق على ذلك إلا زمنا يسيرا، فالذى كان على تخت مصر من أولاده هو الملك العزيز، وأما الملك الأفضل فكان على الديار الشامية، والأول مات ولم يترك ذرية، فصار الأفضل على الولايتين، وجعل تخت ملكه القاهرة، ولم تطل مدته بل طرده عمه الملك العادل وقام مقامه.