للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملك القدس-وقصد الديار المصرية سنة ١١٦٨ بجيش عظيم، واستولى على بلبيس، وتوجه نحو القاهرة، فصالحه الخليفة العاضد رغم أنفه؛ لعجزه عن المدافعة، وقرر على نفسه مليونا من الدنانير، ورغب الدخول فى المدينة للحصول على الدراهم، فخاف أهل القاهرة خوفا شديدا، فاتفق أمراء الدولة مع الخليفة على أن يحرروا مكاتيب إلى الملك نجم الدين (١)، يطلبون منه النجدة، فأرسل لهم صلاح الدين على جيش عظيم، وكان صلاح الدين حاز شهرة عظيمة فى محاربة نور الدين مع النصارى، لكن/بعد قدومه بالعسكر، رأى العاضد أن إبعادهم عن مصر خير له، فتمّم أمر المصالحة مع النصارى، وصرف الجميع عن بلاده، ثم اضطر ثانيا إلى طلب المعونة من نور الدين؛ لأن (أمورى) وملك القسطنطينية كانا اتحدا معا، وأرسلا جيشا عظيما فى البحر إلى ثغر دمياط، فأرسل له نور الدين، صلاح الدين يوسف، فلما حضر ثانيا جلاهم عن الديار المصرية بعد محاصرة دمياط شهرين، فكافأه العاضد على ذلك؛ بجعله أكبر وزرائه ورئيس جيوشه، ولقبه بالملك الناصر.

فلم يكتف بذلك صلاح الدين، بل أخذ يبدى ما هو كامن فى ضميره، وما أسرّ إليه سيده.

وأول شئ أظهره إبطال اسم الخليفة الفاطمى من الخطبة، وتعويضه باسم الخليفة العباسى الثالث والثلاثين من بنى العباس، وإكرام من بقى من نسل العباسيين الذين بمصر، فخصهم بجميع مزايا الأبهة والشرف-فى الأمور الدينية فقط -وبقيت لهم هذه المزايا فيما بعد، ومن ذاك الحين صار لا يسمع بذكر شيعة علىّ وجعلت الإمامة للشافعية.

وفى أثناء جميع تلك التغيرات، كان العاضد مريضا ثم مات، فاغتنم صلاح الدين فرصة موته، وجعل الملك باسم سيده، ومحا ذكر الفاطميين من الديار المصرية، واستولى على أموالهم وذخائرهم.


(١) الصحيح «الملك نور الدين محمود بن زنكى». انظر: حسين مؤنس: نور الدين محمود، ص ٣٠٩ - ٣١١، القاهرة ١٩٥٩.