ونقل عن السلف من المؤرخين: أن أسوار المدينة-فى غير جهة البحر-كانت عبارة عن حائطين أو ثلاثة بينهما أبراج يبلغ عددها-على ما قيل-مائة، بعضها من طبقتين، وبعضها من ثلاث طبقات، وكانت تبرز عن سمت الأسوار داخلا وخارجا، لأجل كشفها بالمحافظين، وكان بعض الأبراج المذكورة فى غاية من العظم والمتانة، حتى كان يرى-على حدته-كقلعة حصينة.
ولولا التراخى والإهمال، وعدم النظر فى الأحوال، ومعرفة (ماتى)؛ لكان فى الإمكان صد الفرنساوية، ومنعهم عن الدخول إلى أن تستعد الحكومة وترسل لهم من يطردهم، لكن يظهر أنه فى تلك الأوقات كانت أهمية إسكندرية منحصرة فى إيراد الجمرك لا غير، ولذا لم يجد جيش الفرنساوية من يصده ويردعه، وأخذت المدينة بقليل من العساكر بدون مكافحة ولا حرب ولا إطلاق مدفع.
ولما دخل الفرنساوية، كان داخل المدينة أشبه شئ بمبانى الأرياف، وكانت حاراتها ضيقة غير مستقيمة، والمنازل متلاصقة قليلة الارتفاع، وأكثرها أرضى، وكان لا يوجد بها غير جامعين للمسلمين وديرين للنصارى، وكان ما حول البلد جميعه خرابا، وكان إذا وجّه الإنسان وجهه إلى أى جهة، يجد بعض قطع الأعمدة والصخور ملقاة على وجه الأرض أو مدفونة بها، وكان يوجد فى وسط ذلك كثير من كوش الجير، تدل على أن الأهالى كانت تحرق ما بقى من المنازل القديمة، وكانت الأرض تحفر لإخراجها منها، وترتب على ذلك وجود حفر كثيرة فى أرض المدينة، فكم هلك من آثار المدينة العتيقة بهذه الأسباب.
[مطلب فى بيان عدد أبواب إسكندرية التى كانت بسورها القديم]
والأبواب التى كانت فى السور خمسة:
الأول: باب غرب، ومنه كان الوصول بين القبارى والمدينة.
والثانى: باب القرافة، فى مقابلة جسر السبع غلوات.
والثالث: باب الميدان، وكان على المينا الكبرى محل باب القمر فى القديم.
والرابع: باب العمود أو باب سدرة، وهو باب الشمس فى القديم.