بدار أقوش نميلة، ثم عرفت بدار الأمير جمال الدين قتال السبع الموصلى؛ فأخذها من ولده وهدمها وتولى بناءه شاد العمائر واستعمل فيه الأسرى، وكان قد حضر من بلاد توريز بنّاء فبنى مئذنتى هذا الجامع على مثال المئذنة التى عملها خواجا على شاه وزير السلطان أبى سعيد فى جامعه بمدينة توريز، وأول خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ثلاثين وسبعمائة وخطب يومئذ قاضى القضاة جلال الدين القزوينى بحضور السلطان، ولما انقضت صلاة الجمعة أركبه الملك الناصر بغلة بخلعة سنية.
[ترجمة الأمير قوصون]
وقوصون: هو الأمير الكبير المنعوت بسيف الدين. حضر من بلاد بركة إلى مصر صحبة خوند بنت أزبك امرأة الملك الناصر محمد بن قلاوون فى الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة ومعه أشياء للتجارة قيمتها خمسمائة درهم؛ فطاف بذلك فى أسواق القاهرة وتحت القلعة وفى داخلها؛ فاتفق فى بعض الأيام أنه دخل إلى الإصطبل السلطانى ليببع ما معه فأحبه بعض الأوجاقية، وكان صبيا جميلا طويلا له من العمر ما يقارب الثمانى عشرة سنة فصار يتردد إلى الأوجاقى إلى أن رآه السلطان فوقع منه بموقع وأمر بإحضاره إليه وابتاع منه نفسه ليصير من جملة المماليك السلطانية؛ فنزله من جملة السقاة وشغف به وأحبه حبا كثيرا فأسلمه للأمير بكتمر الساقى وجعله أمير عشرة، ثم أعطاه إمرة طبلخاناه ثم جعله أمير مائة مقدم ألف ورقاه حتى بلغ أعلى المراتب وأرسل إلى البلاد؛ فأحضر إخوته وأهله وزوجه بابنته وتزوج السلطان أخته، واحتص به السلطان بحيث لم ينل أحد عنده ما ناله، ولما احتضر السلطان جعله وصيا على أولاده وعهد لابنه أبى بكر فأقيم فى الملك من بعده، وأخذ قوصون فى أسباب السلطنة وخلع أبا بكر المنصور بعد شهرين وأخرجه إلى مدينة قوص ببلاد الصعيد، ثم قتله وأقام كجك ابن السلطان وله من العمر خمس سنين ولقبه بالملك الأشرف وتقلد نيابة السلطنة بديار مصر فأمّر من حاشيته وأقاربه ستين أميرا، وأكثر من العطاء وبذل الأموال والإنعام فصار أمر الدولة كله بيده.
هذا وأحمد ابن السلطان الملك الناصر مقيم بمدينة الكرك فخافه قوصون وأخذ فى التدبير عليه فلم يتم له ما أراد من ذلك، وتحركت عليه الأمراء بمصر وحاصروه بالقلعة وقبضوا عليه/فى ليلة الأربعاء آخر شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ونهبت داره وسائر دور حواشيه وأسبابه وحمل إلى الإسكندرية فقتل بها.