وبعد دار ورثة المترجم عطفة حوش أيوب بيك، يسلك منها إلى بركة البغّالة، وبداخلها حوش كبير كان أصله بيتا للأمير أيوب بيك الذى ترجمه الجبرتى فقال: هو من مماليك محمد بيك أبى الذهب، وكان من خيارهم، يغلب عليه حب الخير والسكون، ويدفع الحق لأربابه وتأمّر على الحج، وشكرت سيرته، واقتنى كتبا نفيسة، واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة، وكان ليّن الجانب، مهذّب النفس، يحب أهل الفضائل، ذا ثروة وعزوة وعفة لا يعرف إلا الجد، ويلوم ويعترض على خشداشيه فى أفعالهم، ولا يعجبه سلوكهم، ولا يهمل حقا توجه عليه. مات ﵀ سنة خمس عشرة ومائتين وألف (انتهى).
[[قصر بكتمر الساقى]]
ثم بعد عطفة حوش أيوب بيك ورشة الحوض المرصود، وورشة الحوض المرصود المذكورة كان محلها فى القديم قصر بكتمر الساقى الذى ذكره المقريزى حيث قال: هذا القصر من أعظم مساكن مصر وأجلّها قدرا وأحسنها بنيانا، وموضعه تجاه الكبش على بركة الفيل، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون لسكن أجلّ أمراء دولته بكتمر الساقى، وأدخل فيه أرض الميدان الذى أنشأه الملك العادل كتبغا، وقصد أن يأخذ قطعة من بركة الفيل، ليتسع بها الإصطبل الذى للأمير بكتمر بجوار هذا القصر، فبعث إلى قاضى القضاة شمس الدين الحريرى الحنفى ليحكم باستبدالها على قاعدة مذهبه، فامتنع من ذلك، فأرسل إلى سراج الدين الحنفى وقلده قضاء مصر منفردا عن القاهرة، فحكم باستبدال الأرض فى غرّة رجب سنة سبع عشرة وسبعمائة، فلم يلبث سوى مدة شهرين ومات فى أول شهر رمضان، فاستدعى السلطان شمس الدين الجريرى وأعاده إلى ولايته.
وكمل القصر والإصطبل على هيئة قلّما رأت العين مثلها بلغت النفقة على العمارة فى كل يوم مبلغ ألف وخمسمائة درهم فضة مع جاه العمل، لأن العجل التى تحمل الحجارة من عند السلطان والحجارة أيضا، والفعلة فى العمارة أهل السجون المقيدون من المحابيس، وقدّر لو لم يكن فى هذه العمارة جاه ولا سخرة لكان مصروفها فى كل يوم ثلاثة آلاف درهم فضة، وأقاموا فى عمارته مدة عشرة أشهر، فتجاوزت النفقة على عمارته مبلغ ألف ألف درهم فضة عنها زيادة على خمسين ألف دينار، سوى ما حمل وسوى من سخر فى العمل، وهو بنحو ذلك.
فلما تمّت عمارته سكنه الأمير بكتمر الساقى، وكان له فى إصطبله هذا مائة سطل نحاس لمائة سائس، كل سائس على ستة رؤوس من الخيل، سوى ما كان له فى الحارات والنواحى من الخيل.