وأعقب ذلك موت عثمان بيك البرديسى، فتكامل السرور، وقال الباشا فى محفل من أحبائه لشدة فرحه:«الآن ملكت مصر»، وكان كما قال فإنه بعد موتهما انحلّت عرى اتحاد الأمراء المصريين، وتشعّبت آراؤهم، وجعل كل واحد منهم يرى نفسه أنه أحق بالإمرة، فرأى الباشا أن إطفاء نيران فتنهم يجعله متفرغا للنظر فى مصالح القطر، وعلم تشعب كلمتهم فراسل البعض، فحضر إليه فأغدق عليهم وزوّجهم، فانحاز إليه الكثير، وتمزّق حزب القبالى، ومن بقى لم يزل مصرا على العناد، فطلب صلحهم، لأنه الأقرب إلى السلم، والأسلم لتدبير القطر، وتنظيم أحواله وترتيب أحكامه، وأحفظ من تطرق الخلل إليه، لأن البلاد الأوروباوية حينئذ كانت مضطربة والحرب بها قائمة، ونابليون بانوبارت يجوس بجيوشه خلالها، ويدمر بهجماته ممالكها، فتغلّب على النمسا والموسكو. وكذا دولة الروس أعلنت الحرب مع الدولة العلية لانضمامها مع فرنسا.
وصدرت الأوامر من الدولة لمحمد على باشا، بالاحتياط وحفظ الثغور، خوفا من أن تدهمه دولة الإنكليز على غرّة، فإن مراكبها أخذت تجول فى البحر الأبيض، ولا يعلم ماذا تقصد.
ولما أبطأ عليه خبر الصلح، قام إلى الجهات القبلية، ووعدهم بما يرضيهم، فتشاوروا بينهم، فبعضهم لم يقبل كإبراهيم بيك الكبير، وقال:«أنا لا آمن غدره»، وبعضهم مال إلى الصلح، فلم يزل مجتهدا فى استمالتهم، حتى تمّ الصلح، فترك القتال، وكانوا يحضرون إلى القاهرة، وحضر جاهين بيك وأقام بالجيزة، وعمل لقدومه شنكا وليلة حافلة، وأعطاه الباشا إقليم الفيوم، وثلاثين بلدا من إقليم البهنسا وعشرة من الجيزة، وأعطاه كشوفية هذه الأقاليم مع كشوفية البحيرة وثغر الإسكندرية، واهتم بشأنه زيادة عن غيره، وزوّجه من جواريه.
ثم حضر بعده نعمان بيك، فأكرمه أيضا، وزوّجه من جواريه، وأعطاه بيت المهدى بدرب الدليل. وهكذا كل من حضر، كعمر بيك، ثم بعد ذلك حضر إبراهيم بيك الكبير، فولاّه جرجا.
[[احتلال الإنجليز الإسكندرية ورشيد]]
وفى أثناء ذلك فى محرم سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف ورد الخبر إليه بوصول الدوسمة الإنكليزية، وأخذها ثغرى الإسكندرية ورشيد، وأن الإنكليز راسلوا القبالى، لينضموا إليهم، وأفهموهم أنهم ما حضروا إلا لنصرتهم، فأخذ فى الاستعداد، وبنى الاستحكام الذى كان بانبابة، وساعده على ذلك قنصل دولة فرنسا، لما بين دولته ودولة