الماء فكثيرا مّا يحفر أهل الخير آبارا فى الطرق بين البلاد أو بين الأقطار كما بين بلاد الشام وبلاد العرب وبين مكة والمدينة وغير ذلك، وقد يبنون بجوارها بيوتا تأوى إليها المارة وأبناء السبيل وأول كثرة الأسبلة ونحوها بمصر كان فى ابتداء القرن السادس وكلها أو أكثرها من إنشاء الأمراء ونسائهم كأنهم يجعلونها كفارة لما فرط منهم من المظالم الكثيرة فإن من يتأمل فى التواريخ يرى أن كل زمن كثرت فيه الشدائد الموجبة للفقر والفاقة هو الذى يكثر فيه تلك الأعمال إذ هى آثار تستوجب دعاء المنتفعين لمنشئها بالمغفرة والرحمة؛ فلذا تنافسوا فيها ووقفوا عليها أوقافا ويبينوا فى كتب الوقفيات كيفية الصرف وشروطه وما على الناظر والخدمة ونحو ذلك رجاء دوام عمارتها واستمرار نفعها، ولكن القائمون عليها على توالى الأزمان قد غلبتهم الأهواء وأسرتهم الأطماع فنسوا يوم التناد، واستعملوا فيها طرق الإفساد والاستبداد حتى تعطل كثير منها لضياع أوقافها أو دخولها تحت أيدى الملاك ويا ليت الطامعين فيها دام لهم التمتع بها، بل الغالب على ديارهم الدمار كيف ودار الظالم خراب ولو بعد حين خصوصا هذه الأعمال التى هى حقوق عامة المسلمين وغيرهم. لا جرم أن الطامعين فيها أضل من الأنعام، ثم إن الموجود من السبل فى القاهرة ولواحقها يبلغ نحو مائتى سبيل ما بين عامر وخراب ولا يكاد يوجد سبيل إلا وتحته صهريج وهو المصنع المبنى تحت الأرض لخزن الماء فيه فكلما فرغ ماء السبيل يملأ منه حتى ينفد ماؤه على ميعاد ملئه من السنة الثانية وغالبا يكون فوق السبيل مكتب لتعليم أطفال المسلمين القرآن وما والاه وقد بيناها فى جزء مشتملات القاهرة من هذا الكتاب، وإنما نذكر هنا المشهور منها فنقول:
[سبيل إبراهيم أغا]
هو بشارع اللبودية أنشأه إبراهيم أغا عزبان، وأنشأ فوقه مكتبا لتعليم الأطفال القرآن والكتابة ووقف عليه أوقافا دارة وهو تحت نظر الديوان.
[سبيل إبراهيم باشا]
هو تجاه المشهد الحسينى بجوار خان الخليلى. أنشأته الست المصونة حرم المرحوم أحمد