للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له خطابا، يخبره فيه بما طلبه القسيس من الكتب بالكتبخانة الموجودة هناك، فكتب له أمير المؤمنين «إن كانت تحتوى على ما فى القرآن فلنا حاجة بها، وإلا فلا فائدة لنا فيها، وعلى كلا الحالين ينبغى حرقها» فلم يسعه غير الإطاعة والامتثال، وأمر بحرقها فحرقت.

وهذه الرواية الإفرنجية عارية عن الصحة؛ لأن عمر برئ من ذلك، فإن احتراق الكتبخانة المذكورة كان قبل إشراق نور الإسلام، ولم يكن عمر مولودا إذ ذاك، وأن الذى أعدم هذه الكنوز العقلية النفيسة هو (جول القيصر)؛ وسبب ذلك أنه كان محصورا فى المحلة، التى كانت بها الكتبخانة، ولما أحاطت به الأعداء من كل الجهات، لم يجد له منجى سوى أنه أضرم النار فى جميع المنازل القريبة للكتبخانة، فحرقها واحترقت الكتبخانة معها.

نعم، إنه بعد مضىّ مدة من الزمن قد أهدى الملك (أنطوان) إلى (كليوباترا) نحو أربعمائة ألف مجلد من كتبخانة (برجام)، وأنشأ فى السيرابيوم كتبخانة جديدة سميت: بنت الأولى، وهذه الكتبخانة الجديدة قد احترق أيضا معظم كتبها فى أثناء الفتن التى ظهرت بمدينة إسكندرية، ثم انعدمت بالكلية فى عهد الملك (ديتوز)، حيث سطت عليها أيدى الرعاع المتعصبين، ومزقوا جميع ما كان فيها من الكتب المشتملة على المؤلفات الوثنية، وفعلوا بها مثل ما فعلوا بالمعابد العتيقة، والهياكل القديمة المصرية.

فبناء على ذلك، لم يكن لهذه الكتبخانة وجود بالكلية حين افتتحها عمرو بن العاص، .

ويعلم مما سبق، كيفية انفصال مصر من حكومة القسطنطينية، وصيرورتها ولاية تابعة لمملكة العرب. ومن ذاك الحين، صار تاريخها ملحقا بتاريخ المسلمين، كما كان فى السابق ملحقا بتاريخ الرومانيين. وهذا الانفصال، قد خلص قلوب أهلها من أوحال الشرك والوساوس الشيطانية، وملأها بأنوار الحق المبين بدخولها فى الإسلام، كما تخلصت من أهوال تقلب الأحوال الزمانية عليهم، فصارت أمورها مبنية على منهج العدل والإنصاف، اللذين