الإسكندرية، التى كانت هى المشار إليها بأطراف البنان، مدة اعتناء البطالسة بها ورعايتهم لها.
وبقى الاضمحلال يزداد-طول المدة الرابعة-إلى سنة ٣٦٤، فانقسمت المملكة الرومانية، ولكن بقيت الإسكندرية حافظة لبعض مزاياها، فكانت هى الثانية بعد روما؛ لأن روما تقدمت عليها واستولت على سكانها.
وبظهور الديانة المسيحية، وإقرار القياصرة لأهلها عليها، وإحاطة قياصرة القسطنطينية برعايتها، أخذت مدينة الإسكندرية تنتقل عن حالها القديم، وكثر التغير فى جميع أمور أهلها، بظهور المدرسة المسيحية، المؤسسة فيها على المدرسة القديمة، وباستمرارها على سيرها فى نشر العلوم والفوائد، انفردت بالشهرة، واشتهرت بذلك الإسكندرية بعض شهرة.
ولكن الفتن كانت دائمة فى خلال تلك المدة، وكانت أمور العلم مضطربة، وازداد الاضطراب بغارات (زنوبيا) ملكة تدمر، على ديار مصر سنة ٢٦٥ بعد الميلاد، وسبب ذلك أن (أودنيات) صاحب/تدمر كان ساعد جيوش الرومانيين مساعدة عظيمة، حين حربهم (لسابور) ملك الفرس، فمكافأة له على ما بذله، عدّ من الرومانيين، وجعل ملكا على تدمر، سنة ٢٦٤ ميلادية، ثم توفى بعد مدة وترك ولدين ذكرين، فلم تكتف والدتهما (زنوبيا) بملك تدمر، بل طمعت فى مملكة الرومانيين المشرقيين جميعها، ولقبت ولديها بالقيصرية، وتلقبت بلقب القراليجة. وطمعت فى جميع الولايات المشرقية، مع أنها كانت تحت يد الرومانيين، وجهزت جيوشا وأغارت بها على مصر، ووضعت يدها عليها، ووقع بينها وبين القيصر (أورليان) وقعات، انتهت على أخذ مصر من يدها وطردها، فتبعها القيصر المذكور فى بلادها، واستولى على تدمر نفسها وهدمها سنة ٢٧٠.
فباشتغال دار الحروب الداخلية والخارجية، توقفت أسباب الثروة والرفاهية بالديار المصرية. وحيث كانت إسكندرية ميدان حروب الأحزاب، تخرب أغلب مبانيها، وأزيل أغلب آثارها.