للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المكتب، ثم مضى به إلى المناخلى فهرب إلى المكتب، فكف عنه فحفظ القرآن، وكان ابن حجر رفيقه فى المكتب، ولما خرج من المكتب جلس يبيع الكتب فى سوقها، فمر عليه بعض الرجال فقال: يا محمد ما للدنيا خلقت. فترك الدكان بما فيه ولم يسأل عنه. ثم حبب إليه الخلوة فدخل خلوة تحت الأرض وهو ابن أربع عشرة سنة، فاختلى بها سبع سنين ولم يخرج منها حتى سمع هاتفا يقول: يا محمد اخرج انفع الناس «ثلاث مرات» وقال فى الثالثة:

إن لم تخرج والاهيه. فقال الشيخ: ما بعد «هيه» إلا القطيعة، فخرج إلى الزاوية فكان يجلس يعظ الناس على غير موعد فيجئ الناس حتى يملأوا زاويته، وكان حنفى المذهب وعلى خده الأيمن خال، وهو أبيض مشرب بحمرة وفى عينيه حور، وتربى يتيما فقيرا، أخذ الطريق بعد أن خرج من الخلوة عن الشيخ ناصر الدين بن الميلق، عن جده شهاب الدين بن الميلق، عن ياقوت العرشى، عن المرسى، عن الشاذلى ، فلذا كان الشاذلى يقول: الحنفى خامس خليفة من بعدى. وكان أولا يتعمم بعمامة صماء، ثم رئى له فى المنام أن جده أبا بكر الصديق عممه بحضرة النبى ، وأرخى للعمامة عذبة عن يساره فأرخى/العذبة، وكذلك فعل كل من فى مجلسه، وصار إذا ركب يرخى العذبة، وترك الطيلسان الذى كان يركب به إلى أن مات، وكان يلبس الملابس المثمنة الفاخرة، وكان لا ترد له شفاعة عند من يعرفه وعند من لا يعرفه.

وقال شيخ الإسلام العينى فى تاريخه الكبير: والله ما سمعنا ولا رأينا فيما حويناه من كتبنا وكتب غيرنا، ولا فيما اطلعنا عليه من أخبار الشيوخ بعد الصحابة إلى يومنا هذا أن أحدا أعطى من العز والرفعة ونفوذ الكلمة وقبول الشفاعة عند الملوك والأمراء وأرباب الدولة والوزراء عند من يعرفه ومن لا يعرفه مثل ما أعطى الشيخ شمس الدين الحنفى. ثم قال: وأبلغ من ذلك أنه لو طلب السلطان أن ينزل إليه خاضعا حتى يجلس بين يديه ويقبلهما لكان ذلك أحب الأيام إلى السلطان، ولم يقم قط لأحد من الملوك ولا الأمراء ولا القضاة، ولم يغير قعدته لدخولهم، ولا يجلس أحد منهم إلى جانبه، ولا يتربع بل يجلس جاثيا متأدبا خاضعا لا يلتفت يمينا ولا شمالا.

وكان الملك الظاهر جقمق يكرهه ويقول: إنى لا أقبل لهذا الرجل شفاعة، ومع ذلك يرسل له فى الشفاعات فيقضيها، ويقول لمن حوله: أنا لا أستطيع رد شفاعته، بل أقبلها وأتعجب من نفسى.