للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونزل إليه السلطان الملك المؤيد فجاء إلى الزاوية فوجده فوق سطح البيت، فطلع إليه سيدى أبو العباس وأخبره فقال له: قل له: إنه ما يجتمع بأحد فى هذا الوقت. فوضع السلطان يده على رأسه ورجع إلى القلعة، ولم يتغير من ذلك.

وكان أهل المغرب يرسلون يأخذون من تراب زاويته ويجعلونه فى ورق المصاحف، وأهل الروم يكتبون اسمه على أبواب دورهم يتبركون به. وكان يقول كثيرا: لو كان عمر بن الفارض فى زماننا ما وسعه إلا الوقوف ببابنا. وكان الشيخ طلحة المدفون بالمنشية الكبرى يقول: قال لى سيدى محمد الحنفى: يا طلحة خرج من زاويتى هذه أربعمائة ولىّ على قدمى كلهم داعون إلى الله تعالى، وأصحابنا بالمغرب كثير، وبالروم والشام أكثر، وأكثر أصحابنا باليمن والبرارى والكهوف والمغارات.

وقال فى مرض موته: من كانت له حاجة فليأت إلى قبرى ويطلب حاجته أقضها له، فإن ما بينى وبينكم غير ذراع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب فليس برجل.

وكان يلقن الخائف من ظالم ويقول: إذا دخلت عليه فقل: بسم الله الخالق الأكبر حرز لكل خائف، لا طاقة لمخلوق مع الله ﷿.

وسمع جلال الدين البلقينى تفسيره للقرآن العظيم فقال: والله لقد طالعت أربعين تفسيرا ما رأيت فيها شيئا من هذه الفوائد، وقبله سراج الدين البلقينى بين عينيه وقال له: أنت تعيش زمانا طويلا، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾.

وكانت ملوك أقاليم الأرض ترسل له الهدايا فيقبلها. وكان يتنزه عن سماع المعازف وجميع آلات اللهو، فدخل يوما يزور ابن الفارض فرأى عمالا وآلات تضرب فأمر بالسكوت حتى يزور ولم يتعرض لكسر الآلات. وسمع حنفيا يقول فى درسه: الحكم كذا خلافا للشافعى. فزجره، وقال: تقول خلافا للشافعى بقلة أدب، لم لا تقول ، أو رحمه الله تعالى؟ وكان إذا رأى فى جبهة فقير أثر سجود يقول: يا ولدى أخاف عليك أن يكون هذا من الرياء. وكان يكره مشايخ القرى والمدركين للبلاد ويقول:

أنا لا أقول بإسلامهم. وكان يكره للفقير لبس الطليحية ويقول: الفقر فى الباطن لا فى الظاهر. وإذا رأى من الفقراء والمجاورين عورة سترها عليهم، ويرغبهم فى الأمر الذى فيه صلاحهم، وكان إذا ركب فى شوارع مصر لا يلقاه أمير أو كاتب سر أو ناظر خاص إلا ورجع معه إلى أى مكان أراد. وتلقاه رجل عجمى فأنشده:

نهارى نسيم كله إن تبسمت … أوائله منها برد تحية