فلما وصل إليها ودخل الكنيسة نزع عنه ثياب الجند، ولبس ثياب البطاركة وقدّس فهمّ ذلك الجمع برجمه، فانصرف وجمع عسكره، وأظهر أنه قد أتاه كتاب الملك ليقرأه على الناس، وضرب الجرس فى الإسكندرية يوم الأحد فاجتمع الناس إلى الكنيسة، حتى لم يبق أحد فطلع المنبر، وقال: يا أهل الإسكندرية إن تركتم مقالة اليعقوبية وإلا أخاف أن يرسل الملك، فيقتلكم ويستبيح أموالكم وحريمكم، فهموا برجمه، فأشار إلى الجند فوضعوا السيف فيهم فقتل من الناس ما لا يحصى حتى خاض الجند فى الدماء، وقيل: إن الذى قتل يومئذ مائتا ألف وفر منهم خلق إلى الديور بوادى هبيب وأخذ الملكية كنائس اليعاقبة، ومن يومئذ صار كرسى اليعقوبية بدير بومقار فى وادى هبيب. انتهى.
وكان فى بعد عن هذا المحل بيداء رحبة تسمى (فرفيريون) أو قلموس، وحكى بعضهم أنها كانت بعيدة من الأماكن المعمورة بنحو مسيرة ثمانية أيام أو سبعة، وتوهم بعضهم أن هذا المحل هو المسمى (بتره) وشك فى ذلك كترمير؛ لعدم الدليل القاطع، وهو غير وادى قلمون الذى كان ينسب لإقليم أرسنويه أى: الفيوم وآثاره باقية إلى الآن واسمه لم يتغير، وهو فى طريق الفيوم بسفح جبل قلمون المسمى أيضا بجبل الغريق، وهو باسم الراهب شمويل، وكان ينتج بنواحيه مقدار كبير من الثمر، فيصنع عجوة، ونوع من النبق المغربى لم يكن بالجهات المصرية، ثمرة فى حجم الليمون وطعمه كحلاوة الجوز الهندى، ينتفع به فى أمور كثيرة.
وحكى أبو حنيفة فى تاريخه فى النباتات، أن ذلك الشجر كان لا ينبت إلا بجوار أنصنا وإن خشبه كان/يستعمل فى السفن، وأن قيمة اللوح الواحد منه خمسون دينارا، وأن من ينشر شجرة يعتريه الرعاف، وإذا ربط من ألواحه لوحان وتركا فى الماء سنة تلاحما وصارا لوحا واحدا. أ. هـ