للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهل يوجد مبان للآدميين تقاوم بقوتها الزمن وأيدى الناس مثل هذه الأبنية، وهل لغير المصريين مبان من هذا القبيل بقيت على كيفيتها وصورتها الأصلية، ودفعت بقوتها ما سطا عليها من الأقوام المختلفة كالفرس والعرب وغيرهما، ونفذت من غائلة جميع الحوادث الدهرية حتى وصلت لعصرنا، فما كأنها إلا كتب مرسلة من طرف أهل القرون الماضية للقرون الآتية، تخبرهم بما فى إمكان الإنسان أن يفعله، ثم أن الزلازل التى أطاحت وجه باب ذلك الإيوان، لم تؤثر إلا فى الأعمدة الأربعة القريبة من الباب دون غيرها، فوقع منها ثلاثة، وبقى الرابع على حاله حاملا ما فوقه.

فانظر كيف كانت قوة المصريين، وما كان غرضهم من مثل هذا العمل، وما قدر المدة التى استحضروا فيها جميع هذه الصخور، وما مقدار مدة البناء التى بنوا فيها هذا الإيوان، وزعم المؤرخون أن هذا الإيوان كان معدا للجمعيات العامة، وليس معبدا من معابد الديانة، وسيتوس الذى هو (منفتا الأول) على قول شامبليون الصغير، هو الذى ابتدأ فى بنائه، وسيزوستريس الأكبر ابن سيتوس المذكور، هو المتمم له، والعالمون باللغة المصرية القديمة، قرءوا ما على الجدران من النقوش، واتفقوا على أنها وصف وقعات حصلت من سيتوس مع من حاربه، حتى أن من تأملها ولو غير عالم بهذه الكتابة، يرى من غير مشقة رسوم الوقعات، فإن النقاش قسّم الحائط إلى أقسام، وبيّن فى كل قسم منها وقعة بأحوالها، ورسم فى تلك الأقسام صورة فرعون مصر رسما موافقا لحالة من أحواله، فتارة فوق عربة كأنه يضرب الأعداء بسهامه فيوقعهم ألوفا حوله فى هيئات مختلفة، وجعل (مرييت بيك) فى كتابه: طول الإيوان مائة متر واثنين، والعرض نصف الطول، وقال: «إن أقدم ما وجد عليه من خراطيش الفراعنة، خرطوش سيتى الأول، ويقال له سيتوس الأول من العائلة التاسعة عشرة، كان قبل المسيح بألف وأربعمائة وخمسين سنة، وقد وجدت به إشارات، ربما يؤخذ منها أن سيتى المذكور لم يكن هو الذى بناه، وإنما يعزى