للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم بعد حضور البطرك والتحدث معه أخذ كريم الدين يهون أمر النصارى الممسوكين للسلطان، ويذكر أنهم سفهاء وجهال، فرسم السلطان للوالى بتشديد عقوبتهم، فنزل وعاقبهم عقوبة مؤلمة، فاعترفوا بأن أربعة عشر راهبا بدير البغل قد تحالفوا على إحراق ديار المسلمين كلها وفيهم راهب يصنع النفط، وأنهم اقتسموا القاهرة ومصر، فجعل للقاهرة ثمانية، ولمصر ستة، فكبس دير البغل وقبض على من فيه، وأحرق من جماعته أربعة بشارع صليبة ابن طولون فى يوم الجمعة، وقد اجتمع لمشاهدتهم عالم عظيم، فضرى من حينئذ جمهور الناس على النصارى وفتكوا بهم وصاروا يسلبون ما عليهم من الثياب، حتى فحش الأمر وتجاوزوا فيه المقدار، فغضب السلطان من ذلك وهمّ أن يوقع بالعامة.

واتفق أنه ركب من القلعة يريد الميدان الكبير فى يوم السبت، فرأى من الناس أمما عظيمة قد ملأت المطرقات وهم يصيحون: نصر الله الإسلام، انصر دين محمد بن عبد الله، فحرج من ذلك، وعند ما نزل الميدان أحضر إليه الخازن نصرانيين قد قبض عليهما وهم يحرقان الدور، فأمر بتحريقهما، فأخرجا وعمل لهما حفرة وأحرقا بمرأى من الناس، وبينا هم فى إحراق النصرانيين إذا بديوان الأمير بكتمر الساقى قد مر يريد بيت الأمير بكتمر، وكان نصرانيا، فعند ما عاينه العامة ألقوه عن دابته إلى الأرض وجردوه من جميع ما عليه من الثياب وحملوه ليلقوه فى النار، فصاح بالشهادتين وأظهر الإسلام فأطلق، واتفق مع هذا مرور كريم الدين وقد لبس التشريف من الميدان، فرجمه من هنالك رجما متتابعا، وصاحوا به:

كم تحامى للنصارى وتشد معهم، ولعنوه وسبوه، فلم يجد بدا من العود إلى السلطان وهو بالميدان، وقد اشتد ضجيج العامة وصياحهم حتى سمعهم السلطان، فلما دخل عليه وأعلمه الخبر امتلأ غضبا، واستشار الأمراء، وكان بحضرته منهم الأمير جمال الدين نائب الكرك، والأمير سيف الدين البوبكرى، والخطيرى، وبكتمر الحاجب فى عدة أخرى، فقال البوبكرى العامة عمى، والمصلحة أن يخرج إليهم الحاجب ويسألهم عن اختيارهم حتى يعلم فكره هذا من قوله السلطان، وأعرض عنه، فقال نائب الكرك كل هذا من أجل الكتاب النصارى، فإن الناس أبغضوهم، والرأى أن السلطان لا يعمل فى العامة شيئا، وإنما يعزل النصارى من الديوان، فلم يعجبه هذا الرأى أيضا، وقال للأمير ألماس الحاجب: امض ومعك أربعة من الأمراء وضع السيف فى العامة، من حين تخرج من باب الميدان إلى أن تصل