للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصابع، فهاجت الناس وخافت، ومضى شهر مسرى ودخل شهر توت، ولم يصل إلى زيادة، فأخذت الغلال التى كانت بالساحل وجعلت فى المخازن، وشكت الناس الغلاء ونقص النيل ثلاثة أصابع؛ فزاد كرب الناس وشكواهم، فصدرت الأوامر بصلاة الاستسقاء، وذهب الخليفة والقاضى والعلماء والصالحون، ولم يتوجه السلطان الظاهر جقمق كما فعل السلطان المؤيد شيخ من قبله، ونصب المنبر فى الصحراء، وصعده شيخ قضاة الشافعية، وفى أثناء خطبته رغب نزع جبته فسقطت على الأرض، فلم يتفاءل الناس من ذلك، وحصل بعد رجوعهم القاهرة أن ابن الرداد حضر وأخبر أن النيل قد زاد إصبعا واحدة، فاطمأنت الناس، ولكن حصل أنه أخذ فى النقص كل يوم حتى أنه فى آخر شهر توت كان ناقصا عن الوفاء سبعة أصابع، ولما قطع الخليج لم يدخله الماء إلا قليلا، ثم انحسر عنه فلحق الناس من ذلك مالا مزيد عليه من الكرب والحزن، وشرقت الأراضى، وابتدأ ظهور الغلاء والقحط، وأعقب ذلك موت الرجال، وبلغ ثمن الأردب القمح سبعة دنانير. وفى سنة ست وستين وثمانمائة هجرية تأخرت زيادة النيل إلى أوائل شهر أبيب، واستمر ذلك أربعة عشر يوما، وتغير طعم الماء ولونه، حتى لم يقدر أحد على الشرب منه، وخاف جميع الناس، وغلا سعر الحبة، وندر وجود الخبز فى الأسواق، وظهرت علامات القحط.

ولما لم يعل النيل رغب السلطان الظاهر خوشقدم هدم المقياس حتى لا يكون للأهالى معرفة بأحوال النيل فى الزيادة والنقص، فحوله الشيخ أمين الدين [الأقصرائى] (١) عن ذلك، فأمر السلطان الفقهاء والمشايخ والقضاة بأن يتوجهوا إلى المقياس، ويصلوا صلاة الاستسقاء، فتوجهوا وأقاموا الصلاة هناك جملة أيام فزاد النيل فى الرابع عشر إصبعين، ووصل خبر ذلك إلى السلطان مع ابن أبى الرداد، فكساه سمورا، ثم إن النيل أخذ فى الزيادة إلى


(١) فى الأصل: الأقصارائى. والصحيح ما أثبتناه.