للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع ذلك فكانت معدودة من ضمن المدن العظيمة، وكانت أسوارها قائمة، محيطة بها من كل جهة، على غاية من المتانة.

ومما يدل على ذلك أنها صدت الجيوش الإسلامية، ومنعتهم عن دخول المدينة مدة.

ولكن بظهور الفسطاط، وعدم إقامة الحاكم بها، تلاشت مبانيها وهدم سورها الذى بنته العرب، عوضا عن السور القديم، ولم يعمّر إلا فى القرن العاشر، زمن أحمد بن طولون، بناء على ما ذكره المكين (١).

ثم إن ما بقى بها من المبانى والآثار الموروثة عن الديانة العيسوية، تسلطنت عليه رجال الديانة المحمدية، فخربوه كما أن الديانة العيسوية خربت ما كان للديانة المصرية من المعابد وغيرها، وترتب على ذلك محو أكثر آثارها، حتى صار لا يسمع به إلا فى الكتب.

وبعد انفصال الديار المصرية، صارت مملكة المشرق عرضة لتسلط الديانة المحمدية، ومن غارات جيوش الإسلام المتوالية، انفصل أكثر من نصف المملكة الرومانية المشرقية عنها، وانضمت حدودها، ومع ذلك لم تزل مملكة متسعة الأطراف إلى القرن الثامن من الميلاد.

وأما المملكة القيصرية المغربية، فقد آل أمرها إلى تقسيمها ممالك صغيرة، بعد إغارات كثيرة من المتبربرين الوافدين عليها من جهة الشمال، فكانوا دائما فى محاربات ومناوشات لا تنقطع، واستمر ذلك قرنين كاملين، فحصل فيهما لتلك المملكة مصائب لا تحصى، واضمحل حالها، وتضعضعت أركانها، حتى أتى زمن (شارلكان (٢) وصار لها بعض اعتبار، ومع ذلك فهى فى طفولية وتوحش، لأن أهلها كانوا بمعزل عن التجارة، مع أنهم أحق بها من غيرهم، لإقامتهم بالسواحل.

وكان مركز التجارة وقتئذ لأهل المشرق والمغرب الإسكندرية، وباختصاصها بهذه


(١) يعنى: جرجس بن العميد بن إلياس المعروف عند الإفرنج بالمين المتوفى سنة ٦٧٢ هـ.
(٢) الصحيح «شارلمان «Charlemagne - وفترة حكمه من (٨٠٠ - ٨١٤ م).
انظر: سعيد عاشور: أوربا العصور الوسطى، ج ١، ص ٦٩٢.