للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقع الاختلاف بين عبيد الدولة وعسكر الترك، وضعفت قوى الوزراء عن التدبير، لقصر مدة كل منهم، وخربت الأعمال، وقل ارتفاعها، وتغلّب الرجال على معظمها، مع كثرة النفقات والاستخفاف بالأمور، وطغيان الأكابر، إلى أن آل الأمر إلى حدوث الشدة العظمى، فخرب أكثر الفسطاط والقطائع والعسكر.

وكان لهذا الخراب سببان وهما: الشدة العظمى، ثم الحريق الذى حصل فى وزارة شاور فى آخر الدولة الفاطمية، حين قدم الإفرنج للاستيلاء على مصر.

وكان من أمر تلك الشدة أنه لما توالت الفتن أيام خلافة المستنصر، ارتفعت الأسعار بمصر سنة ست وأربعين وأربعمائة، وتبع الغلاء وباء. فبعث الخليفة إلى متملك الروم بقسطنطينية أن يحمل الغلال إلى مصر، فأطلق أربعمائة ألف أردب، وعزم على حملها إلى مصر، فأدركه أجله ومات قبل ذلك، وقام من بعده فى الملك امرأة، فكتبت إلى المستنصر تسأله أن يكون عونا لها، وأن يمدّها بعساكر مصر إذا ثار عليها أحد، فأبى، فجردت لذلك، وعاقت الغلال عن المسير إلى مصر، فغضب المستنصر، وجهز العساكر، ونودى فى بلاد الشام بالغزو، ووقعت أمور مهولة، ذكرها صاحب الخطط، منها أن الخليفة أمر بالقبض على جميع ما فى كنيسة القيامة التى ببيت المقدس، وكان شيئا كثيرا من الأموال، ففسد من حينئذ ما بين الروم والمصريين، حتى استولى الروم على بلاد الساحل كلها، وحاصروا القاهرة.

واشتد الغلاء فى تلك السنة، وهى سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وكثر الوباء بمصر والقاهرة وأعمالها إلى سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وحدثت الفتنة العظيمة التى تخرب بسببها إقليم مصر كله، وسببها أن الخليفة خرج على عادته السنوية على النجب مع النساء والحشم إلى بركة الجب، فجرّد بعض الأتراك سيفا وهو سكران على أحد عبيد الشراء، فاجتمع عليه كثير من العبيد وقتلوه، فحنق لقتله الأتراك، وساروا بجمعهم إلى الخليفة يسألونه هل كان ذلك عن أمره، فتبرأ الخليفة من ذلك، فاجتمعت الأتراك لمحاربة العبيد، فوقعت بينهما محاربة شديدة بناحية كوم شريك، من مديرية البحيرة قتل فيها كثير من العبيد، وانهزم باقيهم، فشقّ ذلك على والدة المستنصر لكونها من جنسهم، وكانت هى السبب فى كثرتهم بمصر، فكانت لحبها الإكثار منهم تشتريهم من كل مكان، حتى قيل إنهم بلغوا إذ ذاك ما ينيف على خمسين ألف عبد، وقد أمدّتهم فى تلك الواقعة بالأموال والسلاح سرا، وكانت قد تحكمت فى الدولة ونفذت كلمتها، وحثت على قتل الأتراك، فوقعت الفتنة ثانيا واستمرت العداوة بين الفريقين إلى سنة تسع وخمسين، فقويت شوكة الأتراك، وتعدوا على الخليفة،