وطلبوا منه الزيادة فى واجباتهم، وضاق الحال بالعبيد واشتدت حاجتهم، وقلّ مال السلطان، واستضعف جانبه، فأغرت أمه العبيد ثانيا بالأتراك، فوقعت بينهم واقعة بالجيزة انهزم فيها العبيد إلى الصعيد، فازدادت قوة الأتراك وتعديهم، وكثر أذاهم، واستخفّ رئيسهم ابن حمدان بالخليفة، فأغرت أيضا باقيهم الموجودين بمصر، فوقعت بين الفريقين عدة وقعات خارج القاهرة انتهت بنصرة الأتراك، فزاد شرهم، واستمر إلى سنة ستين وأربعمائة، فانخرق ناموس الخلافة، واستهانوا بالخليفة، وصار مقررهم أربعمائة ألف دينار، بعد أن كانت ثمانية وعشرين ألف دينار فى الشهر. فلما نفد ما فى الخزائن بعثوا يطالبونه بالمال، فاعتذر لهم، فلم يقبلوا وألزموه ببيع ذخائره، فبيع ما كان فى خزائن القصر من الأمتعة والجواهر ونفائس الأموال والكتب، وانتهب ما انتهب، وقد أطنب المقريزى فى الكلام على ذلك.
ثم سار ابن حمدان إلى الصعيد، وقاتل العبيد حتى أفنى منهم الكثير، وهزم من بقى منهم وعاد إلى القاهرة، واستبدّ بسلطنة مصر، ودخلت سنة إحدى وستين وهو مستبد بالأمر، فثقل مكانه على الأتراك، فاجتمعوا جميعا مع العبيد، وساروا إلى الخليفة، فبعث إلى بن حمدان يأمره بالخروج من مصر، وتهدده إن لم يخرج، فخرج إلى الجيزة، فانتهب الناس دوره ودور حواشيه، فلما جن الليل عاد سرا، ودخل إلى دار القائد تاج الملوك شادى، وترامى عليه، وقبل رجليه، فقام لنصرته، وحصلت واقعة بين عساكره وعساكر الخليفة، آل أمرها إلى انهزام ابن حمدان إلى البحيرة.
وكثر النهب، واشتد الغلاء والقحط، حتى أكل الناس الجيف، وقطعت الطرق، وكثر القتل فيها، إلى أن دخلت سنة ثلاث وستين وأربعمائة فجهّز الخليفة جيشا لقتال ابن حمدان، فوقعت بينهم حروب انهزمت فيها عساكر الخليفة، وتملك ابن حمدان جميع الوجه البحرى، وترك اسم الخليفة الفاطمى من الخطبة، وخطب باسم الخليفة القائم بأمر الله العباسى، ونهب أكثر الوجه البحرى، وقطع المسيرة عن القاهرة، فعظم البلاء، واشتدّت المجاعة، وتزايد الموت، وحلّ بالناس ما لا يطاق ولا يوصف، فاضطر الخليفة إلى مصالحة ابن حمدان، فصالحه على مال يحمل إليه، فأطلق الغلال، فدخلت مصر.
وبعد شهر وقع الاختلاف بينهما، فزحف إلى مصر، وحاصرها، وانتهبها، وأحرق من الساحل دورا كثيرة، ورجع إلى البحيرة فى سنة أربع وستين وأربعمائة، فتفاقم الأمر فى الشدة، وتلاشى ذكر الخليفة، فسار ابن حمدان إلى البلدة فملكها، وتصرف فى أمر الخلافة والخليفة.