للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتفنن ذلك الباشا فى جوره، واستحوذ على نقود التركات، فكان أكثر من يقتله يستولى على ماله، ووضع يده على إيراد الأوقاف، ومرتبات الأرامل والفقراء.

ولنقتصر على ذلك لئلا يطول الكلام، ونخرج عما نحن بصدده، فمن أراد استيفاء أحوال تلك الأزمان، فعليه بملخص تاريخها فى آخر هذا الكتاب؛ ليعلم أن جميع الباشوات الذين تولوا/مصر كان مطمح نظرهم، ومسرح فكرهم الحصول على المال، بدون التفات إلى أحوال الخلق، وقلّ من وجه منهم نظره لهذا الأمر.

وأيضا لو فرض أن لبعضهم رغبة وميلا لفعل الخير، لا يتيسر له ذلك لأمور منها:

أن القوانين فى تلك الأيام كانت موكولة إلى الديوان العالى، لا استقلال للولاة بشئ منها، فلم يكن لهم من الحكم إلا الاسم.

ومنها: أن البلد كانت بيد أمرائها ومشايخها، فمن وافقهم أحبوه وأبقوه، ومن خالفهم عزلوه ونفوه.

ومنها: أنه كان كل من يأتى إلى مصر من الولاة لا يستغنى عن بطانة من الآستانة، وتكون له مستندا يستند إليها فى أوقات شدته، فكان مضطرا إلى مواساة بطانته، فمن أين يتحصل على ذلك-بل على مؤنته-لو لم يتملق إلى كل من كان له فى البلد كلمة؛ ولو اشتهر بالفجور أو كان أحد الظلمة.

ومنها: ما استقر فى أذهان ولاة ذلك الزمان، وربما شاهدوه بالعيان. أن الوالى قد يولى فلا يصل إلى ديوانه، إلا وقد لحقه الأمر بعزله ورجوعه إلى مكانه، فلذلك كان من يلى مصر لا يستقر، ولا يهدأ له سر، حتى يدور مع الأيام حيث دارت، ويوافق أعيان البلد فى كل ما به عليه أشارت، ويداهن العدوّ والحبيب، ويجامل البعيد والقريب، ليطمئن على وظيفته، ويحصل على ما يلزم لمؤنته.

وهناك ما هو أدهى من ذلك كله؛ وهو علمه بأن روحه بيد البيكوات الذين كانوا