للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنورد لك أنموذجا لتكون على بصيرة فى أمور الولاة، بحيث إذا حكمت لهم وعليهم بشئ يكون حكمك عن تصوّر، فإن الحكم على الشئ فرع عن تصوّره فنقول:

إنه فى سنة ٩٧١ من الهجرة، كان الوالى على مصر على باشا الصوفى، فبدلا عن أن يحضر إليها، ويولى أمورها من شاء من أمرائها وأهلها، أحضر معه جملة من حلب، ووظفهم فى قبض الأموال وضرب النقود، فنزل سعر العملة من كثرة الغش الداخل فى العيار، وضرر ذلك لا يخفى.

وفى زمنه كثر السارقون وقطاع الطريق، لا سيما حول القاهرة، فاضطر إلى بناء حائط من قنطرة الحاجب إلى الجامع الأبيض، خوفا من السارقين والأشرار أن يدخلوا البلد، فإنهم كانوا لا يكترثون بشئ، لا ليلا ولا نهارا.

وتولى بعده على مصر محمد باشا، وكان مشهورا بالظلم وسفك الدماء، فكان لا يمشى فى البلد إلا ومعه الطوباش؛ أى الوالى، فيقتل بذنب وغير ذنب، فمتى أشار إلى أحد وقعت رأسه، وكان له جواسيس تخبره عن أصحاب الثروة وأرباب الأموال، فيحبسهم ويطلب منهم مبالغ يقرّرها عليهم، وينوع لهم العذاب حتى يسليهم أموالهم، واستعمل المصادرة وضرب الجرائم.

وفى سنة ١٠٠٧، كان الوالى على مصر الوزير على باشا السلحدار، وكان أيضا غشوما ظلوما سفاكا للدماء، لم يعهد أنه خرج فى البلد مرة ورجع إلى بيته بدون سفك دم؛ فإنه كان يقتل العشرة أو الأكثر ثم يدوس رممهم بفرسه ليعتاده. وكان يأمر بترك القتلى فى الطرق الأيام العديدة.

وفى زمن الوزير حسين باشا، المتولى على مصر سنة ١٠٤٤، كثر الظلم، وفشا الغدر حتى صار يضرب به المثل، ولما حضر أحضر معه جملة من الدروز، ثم سلطهم على نهب الأموال، فكانوا يدورون فى البلد، وينهبون الأموال جهارا، حتى أغلق الناس حوانيتهم، وتعطلت الأسواق، وقل الأمن فى جميع الرعية على المال والنفس.