للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وورد البشير بذلك إلى القاهرة فزيّنت، وأرسل الباشا بخبر النصر إلى الدولة العلية، فدبّ السرور فى أنحائها، وعملت الزينة هناك.

وأقامت العساكر بينبع، حتى أدركتها عساكر البر، فسار جميعا إلى الصفراء والجديدة، وكان العرب قد تجمعوا هناك، فحصل بين الجيشين مقتلة عظيمة، انفصلت بانهزام العساكر المذكورة فرجعوا لا يلوى بعضهم على بعض، إلى أن وصلوا إلى البحر، ومنهم من أخذ على وجهه على طريق القصير راجعا إلى مصر، مثل صالح قوجه وغيره.

فسبقهم الخبر من طوسون باشا بعدم ثباتهم، وتفرّق كلمتهم، وعدم امتثالهم، فحنق الباشا، وأضمر لهم السوء، فحين ما وصلوا إلى القاهرة أرسل لهم بالخروج من بلاده، ولم يقابلهم، فتحولوا برجالهم إلى بولاق مظهرين الامتثال، ومتربصين حضور عساكر قنا.

فإنهم عند عودتهم حين ما مروا بها، اتحدوا مع أحمد أغالاظ حاكمها على حضوره إليهم بعساكره، إن رأوا من الباشا عين الغدر. فلما أمروا بالخروج أبلغوه الخبر، فأرسل أمين أسراره إلى الباشا يعلمه أنه يرغب فى مفارقة مصر مثل إخوانه، فتبين للباشا مآربه، فماطله، وأرسل يطيّب خاطره، وأضمر له ما أضمر، وأخذ فى تشهيل الآخرين، وصرف لهم جميع مطلوباتهم، وأثمان بيوتهم، حتى ما صرفه صالح قوجه على الجامع الذى بناه قرب بيته ببولاق، على ساحل البحر. فقاموا وتوجهوا، ثم عيّن الباشا ولده إبراهيم واليا على الصعيد، وطلب أحمد أغالاظ إلى الحضور، فحضر، فمذ وقعت عين الباشا عليه قتله، واستحوذ على أملاكه ودوره، وخلّص القطر من شروره. وهكذا همم الرجال فى التخلص من أوحال الأحوال.

ثم أخذ فى تدبير أمر الحجاز، واتخاذ الطرق الموصلة لفتوحه، فجمع العساكر، وعيّن لها الكشاف، وأرسلها صحبة بانوبرت الخازندار فى أسرع وقت. ونمى إليه أن المساعد للوهابية هو شيخ قبيلة حرب، وأنه إذا انفصل بعربه عنهم تم للباشا ما يريد، فدسّ إليه من يحسّن له الانضمام إلى عسكر الباشا. وأصحب أمير الجردة النقود الوافرة والهدايا، وأمره بالإغداق عليهم، فأخذ الأمير يراسلهم، وأعطى شيخ القبيلة مائتى ألف ريال فرنساوى، وأعطى كل رئيس ما يناسبه من النقود، وكل نفر خمس ريالات وغرارة عدس ومثلها بقسماط، زيادة عما أعطى المشايخ من الكشامير، وما خصصهم به من المرتبات، فتحالفوا على نصرته. وبهذا تسنى له الاستيلاء على المدينة ومكة وجدة بلا كثير مشقة.

وورد البشير بذلك ومعه مفاتيح المدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - فدقت الطبول، وزينت البلد، ووجه الباشا لطيف بيك بالمفاتيح إلى القسطنطينية، فكان