وللمقريزى رسالة (١)، جمع فيها مرات الغلاء والقحط، من دخول العرب مصر إلى سنة ٦٠٠ هجرية تقريبا، فبلغت ثلاث عشرة مرة.
وفى رحلة (ولين) الفرنساوى، نقلا عن كتاب (مرعى بن يوسف الحنبلى)، الموجودة نسخته بكتبخانة باريس: أن عدد مرات القحط والوباء، من ابتداء فتح مصر إلى سنة ٨٤٣ هجرية، الموافقة سنة ١٤٤٠ ميلادية، إحدى وعشرون أو ست وعشرون، على قول العلامة (خليل بن جاهين الظاهرى) وزير السلطان الأشرف.
وأسباب هذا الغلاء غالبا: إهمال الحكام تدبير ماء النيل، وتوزيع المياه على الأراضى، وكذا إتجار الحكام والسلاطين فى الأقوات، فينشأ من إهمال النيل، عدم زرع جميع الأراضى، فلا يكفى ما يخرج من المحصول جميع أهلها، وينشأ من الإتجار فى القوت غلوّ الأسعار غلوا فاحشا؛ فكانت أسباب البلايا كثيرة متنوعة، تتفنن فيها ولاة الأمور بما كانوا يبتدعونه من المظالم وسوء التدبير.
ولولا الخوف من التطويل، لذكرنا ما حصل للديار المصرية فى كل زمن، ولكن، هذا للقارئ أنموذج يعلم منه أحوال تلك الأزمان، وما كانت تقاسيه الناس من حكامهم، والمقصود أنا نقارن ذلك بزماننا، فنجدنا الآن فى أرغد عيش بالنسبة لمن كان فى تلك الأزمان، وليس ذلك إلا بهمّة الخديوى المعظم، فإنه لا يشغله شاغل عن التفكر فى الأحوال الموجبة لرفاهية الرعية، فبحول الله وقوّته، وعناية الحضرة الخديوية، لا نخاف من حصول مثل ما كان فى تلك الأزمان، لأن الإكثار من الترع والخلجان والجسور، وإحكام تقسيم المياه بالقناطر فى الجهات البحرية والقبلية، صير رىّ جميع الأراضى ممكنا. إذا وصل النيل ستة عشر ذراعا، بل يمكن بأقل من ذلك، إذ تمت عمارة القناطر الخيرية. وبوجود سكك الحديد فى البر، والسفن البخارية فى البحر الملح والحلو، صار نقل ما يحتاج إليه من محصولات البلاد البعيدة فى أى وقت سهلا.