ثلاثة أيام، وتلف للناس أموال كثيرة، لأن الدرهم الجديد صار يبدل بأربع دراهم قديمة، ونودى بأن/سعر الدينار الجديد ثمانية عشر درهما جديدة، فخسر الناس خسارات كثيرة، وعلا سعر الغلال وجميع أصناف المأكول، حتى عز وجودها، فضرب الحاكم الطحانين والخبازين، وقبض على مخازن التجار، وسعّر أصناف الحبوب.
واستمر الغلاء إلى سنة ٣٩٩، فاجتمع الأهالى بين القصرين، وشكوا إلى الحاكم، فركب حماره وخرج من باب البحر، ووقف هناك ثم قال:«أنا متوجه لجامع راشدة، وإنى أقسم بالله، إن عدت ووجدت موضعا غير مستور بالغلة يطؤه حمارى، لأضربن عنق من يقال لى إن عنده شئ منها، وأحرقن داره، وأنهبن أمواله».
ثم توجه وتأخر هناك لقريب المغرب، فلم يبق أحد من أهل مصر والقاهرة عنده غلة إلا وحملها من بيته أو مخزنه، وجعلها كيمانا فى الطرق، وأمر بحصر ما يحتاج إليه الناس فى كل يوم، فحصر وعمل به كشف عرض عليه، فأمر بعرضه على أصحاب الغلال، وخيّرهم بين أن يبيع كل بقدر ما يناسب تجارته بسعر معلوم قدّره لهم، وبين أن يختم على غلالهم إلى حين دخول الغلة الجديدة. فنزل السعر، وباعوا بما قدرّه لهم.
وفى خلافة المستنصر غلت الأسعار، سنة ٤٤٤، غلاء شديدا، وقصّر النيل، وخلت المخازن السلطانية من الغلال، فحصل كرب شديد زاد على ما كان فى الأزمان السالفة. وكان من العادة الجارية، فى ذلك الوقت، أن السلطان يتجر فى الغلال، فكان يشترى له منها كل سنة بمائة ألف دينار ليتجر فيها، فدخل عليه وزيره، أبو محمد الحسن بن على بن عبد الرحمن البارزى-﵀-وكان قد أمر بترخيص الأسعار، وعرّفه بما منّ الله عليه به من رخص السعر، وتوالى الدعاء من الناس للسلطان، وذكر أن فى التجارة فى الغلال مضرّة على المسلمين وربما نزل السعر بعد شرائها، فتباع بأقل مما اشتريت به، أو تتلف بالمخازن. والأولى التجارة فيما لا كلفة على السلطان فيه، ولا مضرّة بالناس، وفائدة التجارة فيه أضعاف فائدة