التجارة فى الغلة، ولا يخشى عليه من انحطاط السعر ولا من غيره. وهو: الخشب، والصابون والحديد، والرصاص، والعسل، وما أشبه ذلك، فأمضى السلطان له رأيه.
والغلاء الذى حصل فى أيامه أيضا، سنة ٤٤٧، زاد على ما سبقه، ولم يكن وقته بالمخازن السلطانية إلا جرايات من فى القصور، ومطبخ السلطان وحواشيه، فقام الوزير أبو محمد، وكتب إلى عمال النواحى بحجز الغلال وأخذها للديوان، وتربيح التجار فى كل دينارين دينارا. وبعد ذلك أرسل المراكب فأحضرت جميع الغلال من البلاد، وأرسل إلى مصر سبعمائة أردب، وإلى القاهرة ثلثمائة. فحصل الرخاء، إلى أن قتل الوزير، فصار بعده لا يرى للدولة صلاح ولا استقامة حال.
واختلت الأمور، ولم يستقر لها وزير تحمد سيرته، أو يرضى تدبيره، وخالط الناس السلطان، وكاتبوه مكاتبات كثيرة، وكان لا ينكر على أحد مكاتبته، فتقدم كل شقشاق، وحظى لديه الأوغاد، وكثروا حتى كانت رقاعهم أكثر من رقاع الرؤساء الأجلة. وتنقلوا فى المكاتبة إلى كل نوع، حتى كان يصل إلى السلطان كل يوم ثمانمائة رقعة، فاشتبهت عليه الأمور، وتناقضت الأحوال، ووقع الخلاف بين عبيد الدولة، وضعفت قوى الوزراء عن التدبير لقصر مدتهم، فكان الوزير منهم-من توليته إلى خلعه-لا يفيق من التحرز ممن يسعى به.
وكانت الفترات بعد عزل من ينعزل منهم، أطول من مدة وزارته، فتعدوا الواجبات، وتفننوا فى المصادرات، فاستنفدوا أموال الخليفة، وأخلوا منها خزائنه، وأحوجوه إلى بيع عروضه، فاشتراها الناس نسيئة، وكانوا يعترضون ما يباع، فيأخذ من له درهم واحد ما يساوى عشرة درهم، ثم زادوا فى الجراءة حتى تصدروا إلى تقويم ما يخرج من العروض، فإذا حضر المقوّمون أخافوهم، فيقوّمون ما يساوى ألفا بمائة فما دونها، ويعلم المستنصر وصاحب بيت المال بذلك، ولا يتمكنان من إجراء ما يجب عليهم، فتلاشت الأمور، واضمحل الملك، وعلموا أنه لم يبق ما يلتمس إخراجه لهم، فتقاسموا الأعمال،