تلك المدة لم يكن بالمقابر بل بالموميات، ثم يصعد إلى جهة الجنوب، فيصل إلى (العصاصيف)، وهو محل أرضه حجرية، وبه قبور بعض ملوك العائلة التاسعة عشرة، والثانية والعشرين، والسادسة والعشرين، ويظهر من حال تلك القبور، أن الإعتناء فى زمن هؤلاء العائلات كان بالمبانى الظاهرة، وأن مومية الأموات لم تكن فى قاع آبار كما فى مقابر (صقارة)، بل كانت تدفن فى الأرض على عمق متر أو مترين، انتهى.
وفى خراب العصاصيف، باب من الصخر مكتوب عليه أن بانيته الملكة (راماكا)، أخت الملك طوطموزيس، المكتوب اسمه على مسلة الكرنك، وقد مسح طوطموزيس اسم أخته، وكتب اسمه مكان اسمها، بدليل أنه بقى بعد مسحه علامة التأنيث آخر كل كلمة، وكانت هذه العلامة مجهولة إلى أن كشفها شامبليون الصغير، ومن ذلك الوقت نسبت العمارة لصاحبتها التى لم يمسح أخوها اسمها إلاّ لأسباب سياسية أوجبت بينهما الشقاق والنزاع، وبقرب العصاصيف يوجد قبر مركب من ثلاث طبقات، وهو أوسع القبور مساحته عشرون ألف قدم مربع، ومن النقوش التى وجدت فيه استدل على أنه قبر كاهن اسمه (سبتيموس)، وهو فيه بمفرده، ولم يذكر فى النقوش غير اسمه واسم أمه، ولا يوجد فيما أظن أحد من الناس يشغل قدرا من الأرض بعد موته كما شغل هذا الكاهن، ويقوى ذلك ما قاله هيرودوط أن المصريين كانوا لا يهتمون ببيوت الحياة اهتمامهم بقبورهم، لعلمهم أن مدة الحياة قصيرة وعما قليل يتركونها، فكانوا يحفرون قبورهم فى الجبال، ويعتنون بشأنها لطول زمن الإقامة فيها، ولهذا لا يوجد منزل من منازل العائلات القديمة، وإنما توجد قبورهم بكثرة.
قال مرييت بيك: وبعد مجاوزة العصاصيف، يتوصل إلى الشيخ عبد القرنة، وقرنة مرعى، وهما محلان فيهما قبور بسفح الجبل، أبوابها مرتفعة تشاهد من بعد، والقبور فى تفاصيلها تشبه قبور صقارة وبنى حسن، وهى عبارة