للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرابع، ثم صبروا (١) المقتول وألبسوه برنيطة ثم وضعوا معه الخنجر الذى قتل به وحملوه على عربة إلى تل العقارب حيث القلعة التى بنوها هناك وضربوا له المدافع، وأحضروا القاتل وخوزقوه، وضربوا رقاب الثلاثة الشوام المظلومين وحرقوا جثثهم ورفعوا رؤوسهم على خوازيق بجانب المخوزق، ثم وضعوا قتيلهم فى تخشيبة ووضعوا عندها عسكرا يتناوبون ليلا ونهارا، ثم ولوا عوضه سر عسكر يسمى منو كان بثغر رشيد وأظهر أنه أسلم وتسمى بعبد الله، وحضر مع قائمقام والأغا إلى الأزهر وشقوا فيه وفى أروقته وأرادوا نبش أماكن للتفتيش على السلاح، وأخذ المجاورون فى نقل أمتعتهم وإخلاء الأروقة ونقلوا كتب الوقف، ثم إنهم كتبوا أسماء المجاورين فى قائمة وأمروهم أن لا يأووا آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه الآتراك بالكلية، وفى عصريتها توجه الشيخ الشرقاوى والمهدى والصاوى إلى سر عسكر منو واستأذنوه فى قفل الجامع وتسميره، فتكلم بعض القبط وقال: هذا لا يصح. فحنق عليه الشيخ الشرقاوى وقال: اتركونا يا قبط واكفونا شر دسائسكم. وقصد الشيخ منع الريبة فإنه ربما دسوا من يبيت به واحتجوا بذلك على إنجاز أغراضهم من الفقهاء، ولا يمكن الاحتراس من ذلك لكثرة دخانيق الجامع واتساع زواياه فأذنوا لهم بذلك، فقفلوه وسمروا أبوابه، وكذا سمروا مدرسة محمد بيك المقابلة له وأخرجوا منها الأتراك، واستمرت الشدة والانزعاج إلى أن أخذ الفرنساوية فى الانجلاء من الديار المصرية.

وفى غاية المحرم من سنة ست عشرة فتحوا الجامع الأزهر وشرعوا فى كنسه وتنظيفه وكذلك المدرسة، وفرح الناس فرحا شديدا وهنأ بعضهم بعضا، وحضر الوزير حسن باشا إلى المدينة فصلى الجمعة بالمشهد الحسينى وزار المشهد، ودعاه الشيخ السادات إلى داره المجاورة للمشهد الحسينى وسقاه قهوة وسكرا وطيبه بماء الورد والبخور، ثم خرجا إلى الجامع الأزهر فطاف بمقصوراته وأروقته وجلس ساعة وأنعم على الكناسين بدراهم وعلى خدمة المشهد الحسينى بمائتى قرش رومى.

وفى شهر شعبان من سنة ثمانى عشرة وقف جماعة من العسكر فى خفاء الجامع الأزهر عند طلوع الشمس وعروا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم. فانزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وذهبوا إلى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ


(١) صبر بفتح الصاد وتشديد الباء المفتوحة: حنط الميت: عالج جثته وحشاها بالحنوط كى لا يدركها فساد (المنجد).