والحارات، وتعمدوا بالخصوص الجامع الأزهر، وحرروا عليه المدافع والقنابر وعلى ما جاوره من الأماكن كسوق الغورية والفحامين، فضج أهل تلك الجهة ونادوا يا سلام يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف، وتتابع الرمى من القلعة وتلال البرقية حتى تزعزعت الأركان وهدمت فى مرورها حيطان الدور،/فركب المشايخ إلى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل ويكف عسكره عن الرمى كما اتكف المسلمون، والحرب خدعة وسجال، فعاتبهم فى التقصير فاعتذروا إليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمى عنهم، وقاموا من عنده ينادون بالأمان فى المسالك والطرقات واطمأنت القلوب وأقبل الليل.
وأما أهل الحسينية والعطوف فلم يزالوا يرمون حتى فرغ منهم البارود فأثخنهم الفرنج بالرمى المتتابع، وبعد هجعة من الليل دخل الفرنج المدينة ومروا فى الأزقة والشوارع وهدموا ما وجدوا من المتاريس، وانتشروا فى الطرقات وتراسلوا رجالا وركبانا، ثم دخلوا الجامع الأزهر راكبين على خيولهم وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة ونهبوا أمتعتهم، ودشتوا الكتب والمصاحف وطرحوها على الأرض وداسوها بأرجلهم ونعالهم، وبالوا وتغوطوا فيه، وجردوا كل من وجدوه به وأخرجوهم، وأصبحوا مصطفين بباب الجامع وكل من حضر للصلاة يراهم فيكر راجعا، ونهبوا بعض الدور التى بالقرب من الجامع، وخرج سكان تلك الجهة يهرعون للنجاة بأنفسهم، وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد أن كانت أشرف البقاع، ويرغب الناس فى سكناها زيادة عن غيرها ويدعون عند أهلها الودائع، وكان الفرنساوية لا يمرون بها إلا فى النادر ويحترمونها ظاهرا وباطنا، فانقلب موضوعها وبقى الأمر كذلك يومين قتل فيهما خلائق لا تحصى، ونهبت أموال لا تستقصى، فركب المشايخ بأجمعهم وذهبوا إلى بيت سر عسكر الفرنساوية وطلبوا منه العفو والأمان، فوعدهم مع التسويف، وطلب منهم بيان من تسبب فى إثارة الفتنة من المتعممين، فغالطوه فقال لهم على لسان الترجمان، نحن نعرفهم بالواحد، فترجوا عنده فى إخراج العسكر من الجامع الأزهر فأجابهم لذلك وأمر بخروجهم، وأسكن منهم نحو السبعين فى الخطة كالضابطين، ثم فحصوا عن المتهمين فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقى شيخ طائفة العميان والشيخ أحمد الشرقاوى والشيخ عبد الوهاب الشبراوى والشيخ يوسف المصيلحى والشيخ إسماعيل البراوى وحبسوهم ببيت البكرى، ثم ركب الشيخ السادات والمشايخ إلى بيت سر عسكر وتشفعوا فى المسجونين فقيل لهم: لا تستعجلوا. وبعد أيام حضر جماعة من عسكر الفرنسيس إلى بيت البكرى نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند سر عسكر