فى سنة سبع وتسعين وستمائة، فكان من خرج من باب القنطرة يجد عن يمينه أرض الطبالة من جانب الخليج الغربى إلى حد المقس وبحر النيل الأعظم يجرى فى غربى بطن البقرة على حافة المقس إلى أرض الطبالة، ويمر من حيث الموضع المعروف اليوم بالجرف إلى غربى البعل، ثم قال: وموضع بطن البقرة يعرف اليوم بكوم الجاكى المجاور لميدان القمح وما جاور تلك الكيمان والخراب إلى نحو باب اللوق. (انتهى).
(قلت)، ومن يتأمل فى عظم بستان المقس وتحديدات المقريزى له يجد أنه لم يحفر كله بركة، إذ مساحته كانت تزيد على أربعمائة فدان، ولا يتصور حفر جميع ذلك بركة، بل الذى حفر هو الجزء القريب من منظرة اللؤلؤة فقط، وبقى بعضه إلى أيامنا وباقيه محله الآن المبانى الموجودة على حافة الخليج الغربية ما بين قنطرة الموسكى وباب القنطرة، ويدخل فى ذلك شارع ميدان القطن وشارع القنطرة وغيرهما. وأما باقى البستان فقد بقى على أصله إلى أن ضاقت مصر بالسكان فصار يحكر شيئا فشيئا حتى آلت البركة إلى القطعة التى بقيت فى زماننا هذا، وكانت مساحتها تبلغ نحو ستين فدانا.
وذكر ابن أبى السرور البكرى فى خططه أن هذه البقعة قبل بناء الأمير أزبك بها عمارته ساحة أرض خراب وكيمان فى أرض سباخ، وبها أشجار أثل وسنط، وكان بها مزار يعرف بسيدى عنتر، وآخر يعرف بسيدى وزير، ثم قال وفى سنة أربع وعشرين وسبعمائة طم خليج الذكر، وخربت مناظر اللوق التى هناك، وصارت هذه البقعة خربة مقطع طريق مدة طويلة لا يلتفت إليها، ثم إن شخصا من الناس فتح بجمونا من الخليج الناصرى، فجرى فيه الماء أيام الزيادة وروى أرضها، وزرعت برسيما وشعيرا.
واستمرت على ذلك إلى سنة ثمانين وثمانمائة فى دولة الأشرف قايتباى، فحسن بال الأتابكى أزبك أن يعمر هناك مناخا لجماله، وكان سكنه قريبا منها. فلما أن عمر المناخ حلت له العمارة، فبنى القاعات الجليلة والدور والمقاعد وغير ذلك، ثم إنه أحضر أبقارا ومحاريث، وجرف ما احتاج إلى جرفه من الكيمان، ومهدها وصارت بركة، وبنى حولها رصيفا محيطا بها، وتعب فى ذلك تعبا شديدا حتى تم له ما أراد، وصرف عليها أموالا عديدة نحو مائتى ألف دينار، ثم إن الناس شرعوا فى البناء عليها، فينبت القصور النفيسة الفاخرة، والأماكن