حرفة، وقالوا إنها سلف يرد، فحصل بذلك للفقراء أشد المضايقة، وشددوا عليهم فى الطلب، فكثر لغط الناس.
وكانت العساكر تدخل البيوت وتنهب ما فيها من غير مبالاة، فحاق بالناس الكرب والخوف، فلا يأمن الإنسان إلا بتعليق بنديرة (أى راية) على بابه، أو يلصق ورقة من طرف الفرنساوية.
وأخذ نساء الأمراء المختفيات فى الظهور، وصالحن على أنفسهن بمبالغ دفعنها على نسبة حال كل منهن، فدفعت زوجة مراد بيك ١٢٥٠٠٠ ريال فرنساوى، ودفع غيرها أقل من ذلك.
وصار الناس يتوجهون إلى الإفرنج، ويخبرون عن ودائع الأمراء وخباياهم، فكثر الهجوم على البيوت، ونبش الأرض وهدم الحيطان.
واتسع نطاق الفتن خارج البلد وداخلها، وتحيّر الناس فى أمرهم، فإنهم إن خرجوا عن المدينة كانوا عرضة لقبائح العرب وعساكر مراد وإبراهيم، وإن أقاموا بها كانوا هدفا لسهام فتن الإفرنج غير آمنين مكايدهم.
وفى خلال ذلك ظهر الطاعون، فمنع الإفرنج الدفن فى المقابر الموجودة داخل البلد، كمقبرة الأزبكية والرويعى وغيرهما، وشددوا فى نظافة البلد وكنس الأزقة والحارات والتفتيش على ذلك، ورفعوا أبواب الدروب والعطفات جميعها، وأمروا بتعليق قناديل على أبواب البيوت طول الليل، وعاقبوا من خالف أشد العقاب.
ثم وضعوا مجلسا مركبا من ستة من تجار المسلمين، ومثلهم من تجار النصارى، لتحقيق حجج الأملاك، وقرروا مبالغ تؤخذ من المواريث والرزق والهبات والمبايعات والدعاوى، فلحق بالناس من هذه الغرامات ما لحقهم، وكثر عويلهم وشكواهم، ولا معين ولا نصير.
والتقت عساكرهم بعساكر مراد بيك فى الجهات القبلية، فوقع بينهم مناوشات، وسافر من عساكر الإفرنج أيضا جماعة إلى الجهات البحرية، لتسكين الفتن، وضبط تلك الجهات، فكانت العرب تعارضهم، ولكن على غير طائل.
وأخذ من بقى فى القاهرة منهم فى الاحتياطات، خوفا مما عساه أن يحصل من الأهالى، فهدموا أبنية كثيرة من حول القلعة، وزادوا على بدنات باب العزب بالرميلة، وغيروا معالمها، ومحوا ما كان بها من آثار الحكماء والعلماء، ومعالم السلاطين، وما كان فى الأبواب من الأسلحة والدرق والبلط والحراب الهندية، وهدموا من داخل القلعة قصر يوسف صلاح الدين.