وقال أيضا: والهرمان الكبيران يظنهما الناظر للديار المصرية نهدين، ويحسبهما القابل أن مكارم أهلها قد أعدتهما للتكرم ابلوجين، تراهما العين على بعد المسافة. وإذا حدثت عن عجائبهما يظن أنه حديث خرافة.
وذكر المساح أن قاعدة كل من الهرمين العظيمين أربعمائة ذراع - بالذراع السوداء - وينقطع المخروط فى أعلاه عند سطح مساحته عشرة أذرع فى مثلها.
وذكر أن بعض الرماة رمى سهما فى قطر أحدهما وفى سمكه، فسقط السهم دون نصف المسافة، وذكر أن ذرع سطحها أحد عشر ذراعا بذراع اليد. وفى أحد هذين الهرمين مدخل يلجه الناس يفضى بهم إلى مسالك ضيقة وأسراب متنافذة، وآبار ومهالك، وغير ذلك على ما يحكيه من يلجه، وإن أناسا كثيرين لهم غرام به وتحيل فيه، فيتوغلون فى أعماقه، ولا بد أن ينتهوا إلى ما يعجزون عن سلوكه.
وأما المسلوك المطروق كثيرا فزلاقه تفضى إلى أعلاه، فيوجد فيه بيت مربع فيه ناووس من حجر، وهذا المدخل ليس هو الباب الذى فى أصل البناء، وإنما هو منقوب نقبا صادف إتفاقا.
ونقل عن ابن خرداذبة: إن من عجيب البنيان الهرمين بمصر، سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع، وكلما ارتفع دق، والطول أربعمائة ذراع فى عرض أربعمائة ذراع مكتوب عليهما باليد كل سحر وكل عجيب من الطب، ومكتوب عليهما إنى بنيتهما فمن يدعى قوة فى ملكه فليهدمهما، فإن الهدم أيسر من البناء، فاعتبر ذلك. فإذا خراج الدنيا لا يفى بهدمهما. انتهى.
ثم قال: ولله رد الفقيه عمارة اليمنى حيث يقول:
خليلىّ ما تحت السماء بنية … تماثل فى إتقانها هرمى مصر
/بناء يخاف الدهر منه وكل ما … على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر
تنزه طرفى فى بديع بنائها … ولم يتنزه فى المراد بها فكرى