أخذ هذا من قول بعض الحكماء: كل شئ يخشى عليه من الدهر إلا الأهرام؛ فإن الدهر يخشى عليه منها.
ونقل أيضا عن أبى الصلت الأندلسى فى رسالته، وقد ذكر أخلاق أهل مصر، أنه قال: يظهر من أمرهم أنه كان فيهم طائفة من ذوى المعارف والعلوم، وخصوصا علم الهندسة والنجوم، ويدل على ذلك ما خلفوه من الصنائع البديعة المعجزة كالأهرام، والبرابى من الآثار التى حيرت الأذهان الثاقبة، واستعجزت الأفكار الراجحة، وتركت لها شغلا بالتعجب منها والتفكر فيها، فإنها وفى مثلها يقول أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرى من قصيدته التى يرثى بها أباه:
تضل العقول الهبرزيات رشدها … ولا يسلم الرأى القويم من الأفن
وقد كان أرباب الفصاحة كلما … رأوا حسنا عدّوه من صنعة الجن
وأى شئ أعجب وأغرب بعد مقدورات الله ﷿ ومصنوعاته من القدرة على بناء جسم جسيم من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، إرتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وتسعة عشر ذراعا، يحيط به أربعة سطور مثلثات متساويات الأضلاع طول كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعا، وهو مع العظم من إحكام الصنعة وإتقان الهندام، وحسن التقدير، بحيث لم يتأثر إلى هلم جرا بعصف الرياح، وهطل السحاب وزعزعة الزلازل، وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربى على ما شاهدناه منهما.
وقد ذكرت عجائب مصر، وأن ما على وجه الأرض بنية إلا وأنا أرثى لها من الليل والنهار إلا الهرمين فأنا أرثى لليل والنهار منهما.
وهذان الهرمان لهما إشراف على أرض مصر، وإطلال على بطائحها، وإصعاد فى جوفها، وهما اللذان أراد أبو الطيب المتنبى بقوله: