ثم لما استقرت الأمور له ولقسيمه إبراهيم كتخدا المذكور ترك الرياسة فى الأحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه، وأنشأ عدة قصور وأماكن بالغ فى زخرفتها خصوصا داره التى أنشأها على بركة الأزبكية، وأصلها بيت الشرايبى، وهى التى على بابها العمودان الملتفان، المعروفة عند أولاد البلد بثلاثة ولية، وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة، منقوشة بالذهب المحلول، واللازورد، والزجاج الملون، ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة، بحيث جعلها بركة عظيمة، وبنى عليها قصرا مطلا عليها، وعلى الخليج الناصرى من الجهة الأخرى، وأنشأ فى صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة، وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية، وبوسطه بحيرة تملأ بالماء من أعلى، وينصب منها إلى الحوض من أسفل، ويجرى إلى البستان لسقى الأشجار، وبنى قصرا آخر بداخل البستان، مطلا على الخليج، فكان ينتقل فى تلك القصور، خصوصا فى أيام النيل، ويتجاهر بالمعاصى والراح، والوجوه الملاح، وتبرج النساء ومخاليع أولاد البلد، وخرجوا عن الحد فى تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض للناس فى أفاعيلهم، وهو الذى عمّر باب القلعة الذى بالرميلة، المعروف بباب العزب، وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين، والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن، وقصده الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح، وأعطاهم الجوائز السنية.
ولم يزل هو وقسيمه على إمارة مصر حتى مات إبراهيم كتخدا، فظهر شأن عبد الرحمن كتخدا القازدغلى، وراج سوق نفاقه، وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا، ويغريهم، ويحرضهم على الجلفية، فأخذوا يدبرون فى اغتيال رضوان كتخدا وإزالته، وسعت فيهم عقارب الفتن، فتنبه رضوان كتخدا لذلك، واتفق مع أغراضه، وملك القلعة والأبواب والمحمودية وجامع السلطان حسن، واجتمع إليه الكثير من أمرائه وغيرهم، وكاد يتم له الأمر، فسعى عبد الرحمن كتخدا والاختيارية فى إجراء الصلح، وطلع بعضهم إلى المترجم وقال له. هؤلاء أولاد أخيك وقد مات وتركهم فى كنفك مثل الأيتام، وأنت أولى بهم من كل أحد، وليس من المروءة والرأى أن تناظرهم أو تخاصمهم، فإنك صرت كبير القوم، وهم فى قبضتك أى وقت شئت، فلا تسمع كلام المنافقين، ولم يزالوا به حتى انخدع لكلامهم وصدقهم، واعتقد نصحهم لأنه كان سليم الصدر، ففرق الجمع ونزل إلى بيته