ومتى قطع تلك الأماكن، ووصل إلى خط السيدة زينب ﵂، رأى عن شماله منازل العسكر، ومناظر الكبش، وجبل يشكر مطلة على بركة الفيل وبركة البغّالة، وكانت من بركة الفيل وحولها البساتين تحت الكبش، ومحل كل ما ذكر هو المبانى الموجودة فى خط السيدة زينب ﵂، والتلال الموجودة الآن بعد باب السد. ويرى من بعد قبة الهواء محل القلعة، ومن تحتها ميدان ابن طولون، وبستانا محل الرميلة متصلا بالقطائع، وعن يمينه ما على ساحل النيل من البساتين.
ومتى قطع منازل العسكر، ووصل إلى قرب محل جنينة السادات الآن - الكائنة بطريق مصر العتيقة - رأى الفسطاط تشرف على النيل، وأمامها جزيرة الروضة المسماة الآن بالمنيل، وبها من القصور والبساتين ما لا يحصى كثرة، ولا يوصف حسنا، وخلفها النيل.
وقبلى الفسطاط بركة الحبش، وحولها البساتين المطلة على النيل.
وشرقى الفسطاط القرافة الكبرى - محل الحوش المعروف الآن بحوش أبى على بالقرب من قرية البساتين - والقرافة الصغرى - محل الإمامين - متصلتين بالجبل حيث زاوية السادات الوفائية. وكان بمحل القرافتين من القصور الفخيمة، والمساجد العظيمة، والخوانق الجليلة، ما يذهب الكدر، ويجلو النظر. وقد أسهب المقريزى فى وصف ذلك، ووصف ما كان يصنع هنالك من البرّ والخير والصدقات والإحسان فى أيام عيّنها، وليال بيّنها، فكان المتردد فى هذه المسافة البعيدة الأطراف، لا يرى إلا ما يلذ الفؤاد، ويزيل الغموم، وينفى الأنكاد، إلا أنه لما تطرّق الخلل إلى سياستهم الداخلية والخارجية حين أخذت أمورهم فى الانحلال ودولتهم فى الاختلال تغيرت تلك الأحوال، ولم تزل الحوادث تتوالى فى أيامهم الأخيرة، ثم فى أيام من بعدهم، تارة بالصلاح وتارة بالفساد، إلى أن ألحت الحوادث وتوالت المحن، حتى غيرت تلك الوجوه الحسان، وغيرت ما كان من الحسن والإحسان، وأزالت رونقها جملة، وردت ما كان لتلك المنازل من الجمال والكمال، إلا ما ترى من أطلال بالية وتلال، وما كان لها من بهجة وحسن انتظام إلى ما تشاهد من الخراب العام.
ومع تنقل الأحوال، وتغير الدول، وقصور همم أربابها، استقر الخراب مكان العمارة، وسكنت الوحشة محل الأنس، واعتاضت التلال بدل البساتين، والخوف بدل التأمين، كما بينا ذلك فى محله من هذا الكتاب.