القاهرة، ولما بلغه اتحاد إسماعيل بيك بمحمد بيك، فرّ بماله وعياله ومن بقى معه من المماليك إلى الشام، واجتمع بالشيخ ضاهر، وكتب إلى الدولة الموسكية أن تمده، فوعدته بذلك.
ولكن لم يصبر إلى أن يأتيه المدد، بل رجع إلى مصر معتمدا على ما كتب له به رزق كيخيا- أمينه-من أن المنجمين حكموا بأنك لو عدت لمصر تمكنت من حكومتها، وكان ذلك بإغواء محمد بيك وتدبيره، فرجع، وحين وصل الصالحية قام عليه ألف خيّال-كانوا كامنين له بمركب من طرف محمد بيك-فشتتوا شمل رجاله، وقتل مراد بيك على بيك؛ رغبة فى أن يأخذ امرأته-فإنها كانت من أجمل النساء-وكان طلبها من محمد بيك فوعده بها إن قتل زوجها.
ولما قتل انقطع ذكره، ولم تنقطع سلسلة الفتن، بل أخذت فى الزيادة؛ بتوالى الفجار من المماليك الذين أتوا بعده.
وأول من فتح أبوابها أبو الذهب؛ لأنه من ابتداء قيامه بأحوال مصر سنة ١٧٧٣، أخذ فى أسباب اتساع دائرة الخراب، حيث التزم بدفع الخراج المعطل مدة ست سنوات ليبين للدولة صداقته.
ثم إنه استأذن الدولة فى محاربة الشيخ ضاهر لينتقم لها منه على قيامه عليها، فأذنت له، فاستمرت سلسلة المصائب التى زرعها على بيك بديار مصر، ولحق ذلك بلاد الشام أيضا؛ فإنه لما دخل يافا بعد حصارها، أمر بنهبها وقتل أهلها عقابا لهم على المدافعة عن وطنهم. وقتل فى هذه الوقعة أغلب أهل المدينة، والذى نجا من القتل فرّ هاربا، وتفرقت الناس بالطرق، ومات أكثرهم جوعا وعطشا.
وفى هذه الوقعة تبينت شدة قسوته، كما تبينت منه الخيانة-قبل-فإنه على ما يقال، لم يكتف بما فعل بأهل المدينة من شنيع الأمور، بل جمع رؤوس القتلى، وجعل منها هرما، ثم سار خلف الضاهر، وحاصر عكا وأخذها، ونهب وسلب.