للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعادتهم بطالة الدروس من بعد درس الفقه يوم الخميس إلى غروب يوم الجمعة، فيخرجون يوم الخميس إلى بولاق أو غيرها للفسحة وغسل الثياب، فيكونون طوائف طوائف ويلعبون هناك الكرة وغيرها، وكانوا سابقا كثيرا ما يقع بينهم الخصام والمضاربة وقل ذلك فيهم الآن وسهلت عرائكهم، وللصعايدة ترفع عن السفاسف كالقراءة على القبور للصدقة وقراءة الختمات بالأجرة كغالب أهل الجهات الخارجية، مع كثرة زيارتهم للقبور يوم الجمعة.

وللمجاورين قرافة تعرف بهم فى القرافة الكبرى، وإذا مات المجاور اجتمع بالأزهر بعد دفنه أصحابه أو أهل بلده فيعملون له عتاقة لا إله إلا الله بعد المغرب، فيوقدون شموعا صغيرة يلصقونها بالحصر، فيجتمع الجم الغفير من المجاورين ويستمر ذلك إلى العشاء، وأما إذا مات أحد العلماء المدرسين فيحزن عليه أهل الأزهر ثلاثة أيام فلا يعقد به درس، بل إن كان من مشاهيرهم تركوا له الدرس به وخارجه ثلاثة أيام، فبمجرد موته ينهى الخبر إلى شيخ العموم فيأمر بترك التدريس فى هذه الأيام ويقام من يكون جالسا للدرس، ويأمر المؤذنين بعمل الأبرار فيصعدون على المنائر ويقرؤون بأصوات مرتفعة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً﴾ وما يليها من الآيات، وكذا يفعل على كثير من منائر المساجد فيتسامع الناس ويحضرون الجنازة ويشيعونه إلى الأزهر وأمامه المنشدون يقرؤون البردة ونحوها بأصوات مرتفعة ويليهم كثير من العلماء، وربما حضره بعض الأمراء والأعيان، فإن كان من أرباب الشهرة أو المناصب بعث الحاكم بعض عساكر الشرطة لمنع ما عسى أن يقع من الضرر لكثرة الازدحام، ويدخلون بالجنازة من باب المزينين، وعند ذلك يصرخ المؤذنون بالأبرار، فإذا وضع من فوق الأعناق تلا بعض المنشدين بين يدى الصلاة عليه مرثية وهو على دكة المبلغين يعدد فيها محاسنه وربما ذكر نسبه ينشئها بعض الشعراء بعد موته ويصلى عليه شيخ الجامع أو نحوه، ثم يعمل له بالأزهر عند عموده الذى كان يدرس عنده ثلاث ليال يجتمع فيها كثير من العلماء والمجاورين، فيعملون له عتاقة لا إله إلا الله أو الصمدية فيستمرون من الغروب إلى الساعة الرابعة من الليل، ثم فى كل أسبوع من أربعة أسابيع بعد صلاة الجمعة يجتمعون عند عموده ويكونون حلقة واحدة، وتفرق عليهم ربعات القرآن فيقرأ كل واحد جزءا ويجلس بعض القراء والمنشدين وسط الحلقة فيقرأ بعضهم آيات من القرآن بالترتيل، ثم يختمون المجلس بقراءة آخر البقرة والآيات المعتادة فى الختم مع أسماء الله الحسنى وآخر البردة، كل ذلك بجوقة عظيمة ويرددون فى أبيات البردة، ثم تقرأ مرثية أخرى، وربما وقع الأبرار له فى أغلب مدن مصر أو جميعها، والعادة أن لا يغطى نعش العالم كما يغطى غيره.