الماء مدبرا من السواقى التى تدور على الآبار العذبة، ويسقى منها الأشجار وغيرها، وسرّح فى هذا البرج من أصناف القمارى والدباسى والنونيات وكل طائر مستحسن حسن الصوت، فكانت الطير تشرب وتغتسل من تلك الأنهار الجارية فى البرج، وجعل فيه أوكارا فى قواديس لطيفة ممكنة فى جوف الحيطان لتفرخ الطيور فيها، وعارض لها فيه عيدانا ممكنة فى جوانبه لتقف عليها إذا تطايرت، حتى يجاوب بعضها بعضا بالصياح.
وسرّح فى البستان من الطير العجيب - كالطواويس ودجاج الحبش ونحوها - شيئا كثيرا، وعمل فى داره مجلسا برواقه سمّاه بيت الذهب طلى حيطانه كلها بالذهب المجاول باللازورد المعمول فى أحسن نقش وأظرف تفصيل، وجعل فيه على مقدار قامة ونصف صورا فى حيطانه بارزة من خشب معمول على صورته وصورة حظاياه والمغنيات اللاتى تغنينه بأحسن تصوير وأبهج تزويق، وجعل على رؤوسهن الأكاليل من الذهب الخالص الإبريز الرزين والكوادن المرصعة بأصناف الجواهر، وفى آذانها الأجراس الثقال الوزن المحكمة الصنعة، وهى مسمّرة فى الحيطان، ولونت أجسامها بأصناف أشباه الثياب من الأصباغ العجيبة، فكان هذا البيت من أعجب مبانى الدنيا.
وبنى فى داره دارا للسباع عمل فيها بيوتا بآزاج كل بيت يسع سبعا ولبوته، وعلى تلك البيوت أبواب تفتح من أعلاها بحركات، ولكل بيت منها طاق صغير يدخل منه الرجل الموكل بخدمة ذلك البيت يفرشه بالزبل. وفى جانب كل بيت حوض من رخام بميزاب من نحاس يصب فيه الماء. وبين يدى هذه البيوت قاعة فسيحة متسعة فيها رمل مفروش بها، وفى جانبها حوض كبير من رخام يصب فيه ماء من ميزاب كبير، فإذا أراد سائس سبع من تلك السباع تنظيف بيته أو وضع وظيفة اللحم التى لغذائه رفع الباب بحيلة من أعلى البيت، وصاح بالسبع فيخرج إلى القاعة المذكورة ويرد الباب، ثم ينزل إلى البيت من الطاق فيكنس الزبل، ويبدل الرمل بغيره مما هو نظيف، ويضع الوظيفة من اللحم فى مكان معد لذلك بعد ما يخلص ما فيه من الغدد، ويقطعه لهما، ويغسل الحوض ويملؤه ماء، ثم يخرج ويرفع الباب من أعلاه. وقد عرف السبع ذاك فحالما يرفع السائس باب البيت دخل إليه الأسد فأكل ما هبئ له من اللحم حتى يستوفيه ويشرب من الماء كفايته. فكانت هذه مملوءة من السباع، ولها أوقات يفتح فيها سائر بيوت السباع فتخرج إلى القاعة وتتمشى فيها وتمرح وتلعب، ويهارش بعضها بعضا، فتقيم يوما كاملا إلى العشى، فيصيح بها السواس فيدخل كل سبع إلى بيته لا يتخطاه إلى غيره.