للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهرب إلى القلعة. فتوجه المماليك إلى السلطان وأخبروه وجبروه على الاتحاد معهم، فلم يسعه غير الموافقة.

ولما بلغ يلبغا هذا الأمر جمع جموعه، واستدعى بالأمير أنوك أخى السلطان من دور الحرم، وقلده السلطنة، ولقبه بالملك المنصور، وسار به إلى الجزيرة الوسطى، والسلطان الأشرف فى برّ إنبابة مع المماليك، وصار الفريقان يترامون بالنشاب والمكاحل، إلى أن عدى السلطان بجماعة معه على حين غفلة إلى جزيرة الفيل من جهة الوراق، وسار من جهة خليج الزعفران ومن بين الترب، حتى طلع إلى القلعة.

وتسامع بذلك من كان مع يلبغا، ففارقوه، وانضموا إلى السلطان الأشرف. وانتهى الأمر بالقبض على يلبغا، وإيداعه السجن، ثم تسلمته مماليكه، فقتلوه عند الصرة، ودفن عند الباب المحروق. وكان قد بلغ من العظمة ما بلغ، وكانت عدة مماليكه نحو ثلاثة آلاف مملوك، وهو صاحب الدار التى محلها الآن ورشة الحوض المرصود.

وبعد موته تعين بدله فى الأتابكية أسندمر الناصرى بعد فتنة كبيرة مات فيها كثير من الأمراء. فالتفت مماليك يلبغا على أسندمر، وكانوا من أنجس خلق الله، فأكثروا النهب، وهتكوا الأعراض، واتحدوا مع أسندمر على الفتك بالسلطان، فتعصب الزعر وكثير من العسكر للسلطان، وحصل بينهم وبين أسندمر وجماعته واقعات انتهت بالقبض على أسندمر وسجنه.

وتداول الأتابكية بعد أسندمر أربعة من الأمراء وهم: يلبغا آص، ومنكلى بغا اليوسفى، والجائى اليوسفى، ومنجك اليوسفى، فلم تخل أيامهم من الهرج والمرج، والثورة على السلطان والتعاظم عليه. ومنهم ألجاى اليوسفى تزوج خوند بركة أم السلطان، وهى صاحبة المدرسة المعروفة بجامع أم السلطان فى التبانة، وماتت فى عصمته، فحصل بسبب ميراثه تغير بينه وبين السلطان، وجرت بسبب ذلك فتن ووقائع، مات فيها ألجاى اليوسفى، وخلفه فى الأتابكية منجك اليوسفى، وبقى بها، إلى أن مات سنة ست وسبعين وسبعمائة، فلم يول السلطان أحدا بعده، وتولى الأمر بنفسه.

وكانت تلك المدة كلها مدة هرج ومرج، ووقعت فيها وقائع كثيرة، تارة بالرميلة، وتارة بجهة بولاق، أو فى الجزيرة، أو فى ضواحى القاهرة ومصر. وتخرب فيها كثير من الدور الشهيرة والمبانى الفاخرة، وتعطل فيها كثير من المتاجر، وخسر فيها الناس خسائر لا تحصى.

وفى خلال ذلك رسم السلطان الأشرف للأشراف سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بخضرة العمائم، ليمتازوا بها عن غيرهم، إظهارا لشرفهم، وتعظيما لحقهم.