وعلم برقوق اتفاق بعض المماليك السلطانية مع أحد مماليكه على الفتك به، فقام برقوق واتحد مع خشداشيته، وهجم على باب السلسلة - الذى هو باب العزب، أحد أبواب القلعة - واستحضر الخليفة الموجود، وهو المتوكل على الله العباسى، والقضاة الأربعة، وسائر الأمراء، فلما اجتمعوا فى باب السلسلة قام القاضى بدر الدين بن فضل الله كاتب السر، وقال: يا أمير المؤمنين، ويا سادات القضاة، إن أحوال المملكة قد فسدت، وزاد فساد العرب فى البلاد، وخامر غالب النواب فى البلاد الشامية، وخرجوا عن الطاعة، والأحوال غير مستقيمة، والوقت محتاج إلى إقامة سلطان كبير تجتمع فيه الكلمة، ويسكن الاضطراب.
فتكلم القضاة مع الخليفة فى سلطنة الأتابكى برقوق، فخلعوا الملك الصالح حاجى من السلطنة، وتقررت بينهم سلطنة برقوق. ودخل الملك الصالح دور الحرم عند إخوته، فكانت مدة سلطنته بعد أخيه سنة وشهورا.
فكان من تولى السلطنة من ذرية الناصر اثنى عشر، أقاموا فيها ثلاثا وأربعين سنة، مع أن الناصر محمد بن قلاوون أقام بها أربعا وأربعين سنة، ومدتهم كلها كانت أهوالا وشدائد، حتى اشتد الضرر بالناس، ومع ذلك حدثت فى مدتهم العمائر الكثيرة ببولاق والقاهرة وضواحيها، وأغلبها كان فى الرحاب التى كانت بالقاهرة زمن الدولة الفاطمية، والدولة الأيوبية.