ومن إنشائه المدرسة البرقوقية، بدأ فيها سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وتمت فى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. فكانت مدة العمل فيها سنة، وكان المباشر للعمل فيها الأمير جركس الخليلى.
ولما استقر برقوق فى الملك أخذ يكثر من شراء المماليك، ورخص لهم فى سكنى القاهرة، وفى التزوج، فنزلوا من الطباق فى القلعة، وتزوجوا بنساء أهل المدينة، وأخلدوا إلى البطالة، وتغيرت أحوال الدولة وعوائدها.
ثم رفع نواب البلاد الشامية لواء العصيان، ووقع بينهم وبين عساكر مصر وقائع سفك فيها كثير من الدماء، ودام الاضطراب، حتى حضر يلبغا الناصرى بعساكره من الشام، فحارب عساكر السلطان برقوق خارج باب النصر، فانهزمت عساكر السلطان، واختفى برقوق، واستولى يلبغا على القلعة، فأخرج حاجى بن الأشرف من دور الحرم، وولاه السلطنة، ولقبه بالمنصور، ثم قبض يلبغا على كثير من الأمراء، وامتدت أيدى العساكر الشامية إلى النهب والسلب، فنهبوا جهة باب النصر والركن المخلق، وجهات أخرى، فارتجت القاهرة لذلك، وأكثر الناس من العويل والشكوى إلى يلبغا، فمنع ذلك، ثم أخرج من مصر جميع مماليك الظاهر برقوق، وأكثر البحث عنه حتى عثر به، فقبض عليه، وأرسله مسجونا إلى الكرك.
وبعد ذلك حصلت عداوة بين الأمير منطاش وبين الأتابك يلبغا، تسبب عنها فتنه ومحاربة فى الرميلة، آل أمرها إلى هرب يلبغا وجماعته، وصار الحل والعقد بيد منطاش، فعزل وولى، وتصرف تصرفا مطلقا.
وفى تلك المدة تمكن الملك الظاهر برقوق من الخروج من الكرك، فخرج وانضم إليه مماليكه وكثير من العرب، وحصل له مع ولاة الشام والملك المنصور وقعات عديدة، انتهت برجوعه إلى السلطنة ثانيا.
وكان الأمير منطاش قد هرب فى الوقعة الأخيرة، فبعد عود الظاهر برقوق للسلطنة مال إليه كثير من الناس، وصار يهجم على البلاد الشامية، ويقتل ويسلب، وحصل له وقعات مع نواب الشام، انتهت بقتل منطاش، وأتى برأسه فعلقت على باب زويلة، وفرح السلطان برقوق لقتله فرحا شديدا، وكان المتولى الأتابكية الأمير لاجين الحموى.
وفى تلك المدة كان تيمورلنك يعثو فى البلاد بجيوشه الباغية، وأخرب بلادا كثيرة، وحصل بينه وبين المصريين وقعات كثيرة، واستولت عساكره على بغداد، وفر صاحبها