قال ابن عبد الظاهر: وعلى باب الجامع الحاكمى مكتوب أنه أمر بعمله الحاكم أبو على المنصور فى سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وعلى منبره مكتوب أنه أمر بعمل هذا المنبر للجامع الحاكمى المنشأ بظاهر باب الفتوح فى سنة ثلاث وأربعمائة، وكان بوسطه فسقية بناها الصاحب عبد الله بن على بن شكر وأجرى إليها الماء، وأزالها قاضى القضاة تاج الدين بن شكر سنة ستين وستمائة.
وفى سنة اثنتين وسبعمائة تزلزلت أرض مصر والقاهرة وأعمالهما، ورجف كل ما عليهما واهتز، وسمع للحيطان قعقعة وللسقوف فرقعة، ومارت الأرض بما عليها وخرجت عن مكانها، وتخيل للناس أن السماء قد انطبقت على الأرض فهربوا من أماكنهم وخرجوا عن مساكنهم، وبرزت النساء حاسرات، وكثر الصراخ والعويل، وانتشرت الخلائق فلم يقدر أحد على السكون والقرار، لكثرة ما سقط من الحيطان وخر من السقوف والمآذن وغير ذلك من الأبنية، وفاض ماء النيل فيضا غير المعتاد، وألقى ما كان عليه من المراكب التى بالساحل قدر رمية سهم، وانحسر عنها فصارت على الأرض بغير ماء، واجتمع العالم فى الصحراء خارج القاهرة، وباتوا ظاهر باب البحر بحرمهم وأولادهم فى الخيم، وخلت المدينة، وتشعثت جميع البيوت حتى إنه لم يسلم بيت من سقوط أو ميل، وقام الناس فى الجوامع يبتهلون ويسألون الله ﷾ طول يوم الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة، فكان مما تهدم فى هذه الزلزلة الجامع الحاكمى، فإنه سقط كثير من البدنات التى فيه، وخرب أعالى المئذنتين وتشعثت سقوفه وجدرانه، فانتدب لذلك الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ونزل إليه ومعه القضاة والأمراء، فكشفه بنفسه وأمر برم ما تهدم منه وإعادة ما سقط من البدنات فأعيدت.
وجعل له عدة أوقاف بناحية الجيزة وفى الصعيد وفى الإسكندرية تغل كل سنة شيئا كثيرا، ورتب فيه دروسا أربعة لإقراء الفقه على المذاهب الأربعة، ودرسا لإقراء الحديث النبوى، وجعل لكل درس مدرسا وعدة كثيرة من الطلبة، وعمل فيه خزانة كتب جليلة، وجعل فيه عدة متصدرين لتلقين القرآن الكريم، وحفر فيه صهريجا بصحن الجامع، وأجرى على جميع من قرره فيه معاليم دارة، فكان ما أنفق عليه زيادة على أربعين ألف دينار.
وفى سنة ستين وسبعمائة فى الولاية الثانية للملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون جدد هذا الجامع وبلط جميعه على يد الشيخ قطب الدين محمد الهرماس، وأضيف على أوقافه قطعة أرض من ناحية طنتدا قدرها خمسمائة وستون فدانا، وجعلت على الشيخ محمد الهرماس