ولما تقلدت نظر الأوقاف، وجدت ثلاثة أضلاعه قد تمت وارتفع أساس الرابع ونمت أضلاع الصحن، ووجدت الرأى ضالا عن محل وضع المرافق، والمساكن متصلة به من جهتى القبلة والشمال ليس بينهما إلا ممر ضيق، فأسفت على ما فات هذا الحرم من المحاسن، وأعملت الفكر فى رسم يرجى به إصلاح بعض ما أثأت أيدى الأنظار، واشتريت فى هاتين الجهتين دورا تجعل فى محلها الميضأة والمرافق والطرق والميدان الموجود الآن، وقد تعسر جعل المنافع عن يمين الجامع إذ وجدت العنانى قد بنى ذلك الموضع لنفسه رباعا، ولم يرض بإعطاء شئ منها إلا بأضعاف قيمتها، ثم انفصلت عن الأوقاف فتمموا المنافع على ما هى عليه الآن، ولم يتبعوا فيها أيضا جميع ما رسمته ولا تحروا قانونا حسنا، وكل هذا مع كثرة ما صرف على عمارة هذا الجامع مما لا يدخل تحت الحسبان، فقد صرف عليه من خزينة الأوقاف سبعة آلاف ألف قرش وثمانمائة وستون ألف قرش ومائة واثنان وخمسون قرشا وواحد وعشرون نصفا فضة عملة ديوانية، غير ما تبرع به الخديو إسماعيل من خزينة ماله الخاص به، فقد أرسل إلى دار السلطنة فأحضر جميع عمد الرخام التى به وبالصحن والميضأة وهى تنيف عن ستين عمودا بجلساتها، فلو أنه وضع على قوانين الرسوم الهندسية لجاء فريدا فى محاسن الجوامع والمشاهد:
يريد العبد أن يعطى مناه … ويأبى الله إلا ما أرادا
ثم إن جميع بناء هذا الجامع بالحجر الفص النحيت، وله إلى جهة خان الخليلى ثلاثة أبواب مبنية بالرخام الأبيض كأعتابها، ويكتنف كل باب عمودان من الرخام، ومثلها الباب الأخضر الذى بجوار القبة عند الباب المعروف بباب المتولى، يقولون: إن القطب يدخل منه كل يوم لزيارة الضريح الشريف. ويدعو الزائرون عنده كثيرا، كما يقولون: إن سيدى أحمد البدوى يأتى للزيارة فيقف عند العمود الذى بجوار المنبر أمام باب القبة، ويسمونه بعمود السيد البدوى ويقبلونه ويدعون عنده ويقرؤون الفاتحة، وله باب إلى عمارة العنانى غير مستعمل، وباب بين الميضأة والساقية غير باب الميضأة، وبالجامع منبر خشب بديع مطلى بالليقة الذهبية، وهو منبر جامع أزبك الذى كان عند العتبة الخضراء/بالأزبكية نقل إليه بعد تخربه، وفى مؤخره دكة تبليغ كبيرة وبداخله أربعة وأربعون عمودا عليها بوائك حاملة للسقف، وهو من الخشب المتقن الصنعة المنقوش باللازورد والليقة الذهبية، وفى وسط السقف ثلاثة مناور مرتفعة البناء مسقوفة كذلك، وبها نحو ثلاثين شباكا صغيرة عليها شبابيك من ألواح الزجاج، وبأربع جدران الجامع والصحن نحو ثلاثين شباكا عليها شبابيك من النحاس المطلى بالليقة الذهبية، يعلوها فى الجهة البحرية شبابيك صغيرة دوائرها من الرخام، وفى الجامع بجدار الضريح