للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى الأزهر وحفظ فيه: المنهاج والألفية والشاطبية والرائية. وكان يجوع فيخرج ليلا فيجمع قشر البطيخ ويأكله فسخر الله له رجلا طحانا فصار يتعهده بالطعام والكسوة سنين، وكان يميل إلى الصوفية ويذب عنهم سيما ابن عربى وابن الفارض، وهو ممن كتب فى نصرتهما وجزم بولايتهما، وذلك لأنه لما استفتى السلطان - فى كائنة البقاعى (١) - العلماء أفتى أكثرهم بتصويبه/فى تكفيرهما؛ فتوقف شيخ الإسلام زكريا ثم اجتمع بالشيخ محمد الإسلامبولى المجذوب؛ فقال له: اكتب وانصر القوم واذكر فى الجواب: أنه لا يجوز لمن لم يعرف مصطلحهم ذوقا أن يتكلم فيهم وقد عمى آخر عمره.

ومن كلامه:

«إياكم والطعن فى أشياخ زمنكم ولوذوا بهم فى الدنيا ليأخذوا بيدكم فى الآخرة».

مات رحمه الله تعالى سنة ست وعشرين وتسعمائة عن مائة سنة وثلاث سنين كذا فى الطبقات، وقد ترجمناه فى الكلام على بلده سنيكة.

قال النابلسى: ودفن فى ذلك المكان أيضا (شيبان الراعى) وكان من رؤساء الزهاد وأكابر العارفين. قال الغزالى فى الإحياء: كان الشافعى يجلس بين يديه كما يقعد الصبى فى المكتب ويسأله: كيف يفعل فى كذا وكذا. فيقال له: مثلك يسأل هذا البدوى. فيقول: إنه وفق لما علمناه وله أحوال ساميات. وكتب له أبو علىّ بن سينا:

الحكمة صناعة نظرية يستفيد منها الإنسان تحصيل ما عليه الوجود بأسره فى نفسه، وما عليه الواجب فيما ينبغى أن يكتسبه بعلمه وتشرف بذلك نفسه، ويستكمل ويصير عالما معقولا مضاهيا للعالم الموجود ويستعد للسعادة القصوى فى الآخرة، وذلك بحسب الطاقة الإنسانية. والعقل له مراتب وأسماء بحسب تلك المراتب؛ فالأول هو الذى استعد به الإنسان لقبول العلوم النظرية والصنائع الفكرية، وحدّه غريزة يتهيأ بها لإدراك العلوم النظرية، ثم يترقى فى معرفة المستحيل والممكن والواجب ثم ينتهى إلى حد يقمع الشهوات البهيمية واللذات الحسية فتتجلى له صور الملائكة إذا تحلى بحليتها فيعاين الحقائق الدائمة ويعلم بذاته وموضوعه ولماذا خلق؛ فأجابه بما نصه من الأبله الأمىّ إلى الحبر أبى علىّ بن سينا:

وصل كتابك مشتملا على ماهية العقل وحقيقته وقد ألفيته وافيا بمقصودك لا بمقصودى،


(١) وورد فى ترجمة البقاعى أنه قال: قول أبى حامد الغزالى: «ليس فى الإمكان أبدع مما كان» كلام أهل الوحدة من الفلاسفة والإسلاميين القائلين بأن الله هو الوجود. الخ راجع (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوى ١٠٧:١ ط مكتبة القدسى - القاهرة سنة ١٣٥٣). ولقد شرح الإمام مبنى قوله: «ليس فى الإمكان» الخ فى (كتاب الإملاء فى إشكالات الإحياء صفحة ٤٩ آخر كتابه إحياء علوم الدين - ط لجنة نشر الثقافة الإسلامية - القاهرة سنة ١٣٥٦ هـ).