فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الأنثيين ونزل منه دم كثير؛ فقال له: قتلتنى انج بنفسك. وتوفى من ليلته وهى ليلة السبت ثانى عشر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين ومائة وألف؛ فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه إلى أخيه السيد أحمد فأمرهم بإطلاقه فأطلقوه، وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيتهم بالأزبكية فى مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والأغاوات والاختيارية والكواخى حتى أن عثمان كتخدا القاز دغلى لم يزل ماشيا أمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين. وفيه أيضا: أن الشيخ البكرى صاحب الضريح هو المجذوب المعتقد السيد على البكرى أقام سنين متجردا ويمشى فى الأسواق عريانا ويخلط فى كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه فى غالب أوقاته، وكان يحلق لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون إلى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤوّلونها على حسب أغراضهم ومقتضيات أحوالهم ووقائعهم. وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه من الخروج وألبسه ثيابا ورغب الناس فى زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته؛ فأقبل الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا إليه بالهدايا والنذور وجروا على عوائدهم فى التقليد وازدحم عليه الخلائق خصوصا النساء؛ فراج بذلك أمر أخيه واتسعت دنياه ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه وعظم جسمه من كثرة الأكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه بالجوع طاويا بالأزقة فى الشتاء والصيف، وقيد به من يخدمه ويراعيه فى منامه ويقظته وقضاء حاجته، ولا يزال يحدث نفسه ويخلط فى ألفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولا بد من مصادفة بعض الألفاظ لما فى نفس بعض الزائرين وذوى الحاجات؛ فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما فى نفوسهم وخطرات قلوبهم/ويحتمل أن يكون كذلك فإنه كان من البله المجاذيب المستغرقين فى شهود حالهم. وسبب نسبتهم هذه أنهم كانوا يسكنون بسويقة البكرى لا أنهم من البكرية، ولم يزل هذا حاله حتى توفى فى سنة سبع ومائتين وألف واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه فى قطعة من هذا المسجد، وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد للزيارة واجتمعوا عند مدفنه فى ليال مخصوصة بالقراء والمنشدين، وازدحم عنده أصناف الخلائق واختلط الرجال بالنساء وصارت هذه العادة مولدا مستمرا يعمل كل سنة إلى الآن، انتهى.