الاسكندرية فلم يزل معتقلا بها إلى أن خلع السلطان الملك الناصر حسن وتولى أخوه الملك الصالح صالح؛ فأفرج عن شيخو وعدة من الأمراء وذلك فى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
وفى سنة خمس وخمسين صارت الأمور كلها راجعة إليه وزادت عظمته وعلا قدره ونفذت كلمته وكثرت أمواله وأملاكه ومستأجراته حتى قيل له: قارون عصره وعزيز مصره. وأنشأ خلقا كثيرا فقوى بذلك حزبه وجعل فى كل مملكة من جهته عدة أمراء، وصارت نوابه بالشام وفى كل مدينة أمراء كبار وخدموه حتى قيل: كان يدخل كل يوم ديوانه من أقطاعه وأملاكه ومستأجراته بالشام وديار مصر مبلغ وقدره مائتا ألف درهم نقرة وأكثر، وهذا شئ لم يسمع بمثله فى الدولة التركية وذلك سوى الإنعامات السلطانية والتقادم التى ترد إليه من الشام ومصر، وما كان يأخذ من البراطيل على ولاية الأعمال، وجامعه هذا وخانقاهه التى بخط الصليبة لم يعمر مثلهما قبلهما ولا عمل فى الدولة التركية مثل أوقافهما وحسن ترتيب المعاليم بهما، ولم يزل على حاله إلى أن كان يوم الخميس ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة فخرج عليه شخص من المماليك السلطانية يقال له: باى. فجاء وهو جالس بدار العدل وضربه بالسيف فى وجهه وفى يده فارتجت القلعة كلها وكثر هرج الناس حتى مات من الناس جماعة من الزحمة وركب من الأمراء الكبار عشرة - وهم بالسلاح عليهم - إلى قبة النصر خارج القاهرة، ثم أمسك باى فجاء وقرر فلم يعترف بشئ على أحد وقال: أنا قدمت إليه قصة لينقلنى من الجامكية إلى الأقطاع فما قضى شغلى فأخذت فى نفسى من ذلك. فسجن مدة ثم سمّر وطيف به الشوارع وبقى شيخو عليلا من تلك الجراحة لم يركب إلى أن مات ليلة الجمعة السادس والعشرين من ذى القعدة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، ودفن بالحانقاه الشيخونية وقبره بها يقرأ عنده القرآن دائما، انتهى.
وفى ابن إياس من حوادث سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة: أن السلطان طومان باى كان ينزل بجامع شيخو أيام محاربته للسلطان سليم شاه، فلما علم بذلك السلطان أرسل عساكره فانتشرت فى الصليبة وأحرقت الجامع المذكور؛ فاحترق سقف الإيوان الكبير والقبة التى كانت به وفعلوا ذلك لكونه كان ينزل به وقت الحرب وأحرقوا البيوت التى حوله فى درب ابن عزيز، ثم قبضوا على الشرفى يحيى بن العداس خطيب الجامع وأحضروه بين يدى السلطان سليم فهم بضرب عنقه، ثم تشفع فيه وخلص من القتل، انتهى