كان أبوه نجارا فتولع هو بحفظ القرآن، ثم بطلب العلم فجد فى التحصيل حتى نجب فى فقه الشافعية والمعقول بقدر الحاجة، ونزل فى حرفة الشهادة بالمحكمة الكبرى وطالع كتب الأدب والتاريخ؛ فحفظ كثيرا من الأشعار والمراسلات والحكايات الصوفية انتهى.
وقال الشعر الرائق والنثر الفائق، وصحب بلطف سجاياه ودماثة أخلاقه وكرم شمائله أرباب المظاهر من الكتاب والأمراء والتجار وتنافسوا فى صحبته وارتاحوا لمنادمته، وكان الوقت إذ ذاك غاصا بالأكابر فى هنئ من العيش.
ولما رتب الفرنساوية ديوانا، لقضايا المسلمين تعين فى كتابة التاريخ لحوادث الديوان؛ لأن القوم كان لهم مزيد اعتناء بضبط الحوادث اليومية فى سجلهم وتوزيعها على الجيش، فكان يرقم كل ما يصدر فى المجلس من أمر أو نهى أو خطاب أو جواب أو خطأ أو صواب.
وقرروا له كل شهر سبعة آلاف فضة مضافة لما هو فيه من حرفة الشهادة، وكان ديوانهم ضحوة يومين فى الجمعة؛ فجمع من ذلك عدة كراريس ولا أدرى ما فعل بها.
ولما رجع الشيخ حسن العطار من سياحته رافقه ووافقه ولازمه، فكانا يقطعان الليل بأحاديث أرق من نسيم السحر ويجولان فى فنون الأدب والتاريخ والمحاضرات وهما حينئذ فريدا عصرهما لم يعززا بثالث فى تلك الشئون التى أربت على المثانى والمثالث.
ولما مات بقى الشيخ حسن العطار فريدا، وجمع له ديوان شعره وهو صغير الحجم له شهرة بين المتؤدبين، وله قصيدة غزل فى شاب من كتاب الفرنساوية كان جميل الصورة لطيف الطبع فصيح اللسان أديبا أولها:
علقته لؤلؤىّ الثغر باسمه … فيه خلعت عذارى بل حلى نسكى
ملكته الروح طوعا ثم قلت له … متى ازديارك لى أفديك من ملك
فقال لى وحميا الراح قد عقلت … لسانه وهو يثنى الجيد من ضحك
إذا غز الفجر جيش الليل وانهزمت … منه عساكر ذاك الأسود الحلك
فجاءنى وجبين الصبح مشرقة … عليه من شفق آثار معترك
فى حلة من أديم الليل رصعها … بمثل ما أنجم فى قبة الفلك