بطبعه إليهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم العطايا الجزيلة، ويكره المخالفين للدين ولم يشتهر عنه شئ من الموبقات والمحرمات ولا ما يشينه فى دينه أو يخل بمروءته، بهى الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل القامة والبدن مسترسل اللحية مهيب الشكل وقورا محتشما، قليل الكلام والالتفات ليس بمهزار ولا خوار ولا عجول، مبجلا فى ركوبه وجلوسه يباشر الأحكام بنفسه، ولولا ما فعله آخرا من قتل أهل يافا بإشارة وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيئاته، وذلك أنه توجه إلى البلاد الشامية بقصد محاربة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه إلى العادلية وفرق الأموال والتراحيل على الأمراء والعساكر والمماليك، واستعد لذلك استعدادا عظيما فى البر والبحر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجبخانة والمدافع والقنابر، وسافر بجموعه وجيوشه فى أوائل المحرم من سنة تسع وثمانين، وأخذ صحبته مراد بيك وابراهيم بيك طنان وإسماعيل بيك تابع إسماعيل بيك الكبير، وترك بمصر إبراهيم بيك وباقى الأمراء والباشا الذى بالقلعة وهو مصطفى باشا النابلسى وأرباب العكاكيز والخدم والوجاقية.
ولما وصل إلى جهة غزة ارتجت البلاد لوروده ولم يقف أحد فى وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر بعكا، فلما وصل إلى يافا حاصرها وضايق أهلها فامتنعوا عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليال؛ فكانوا يصعدون إلى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا، ولم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم فى الحبال والجنازير وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف فقتلوهم عن آخرهم، ولم يميزوا بين الشريف والنصرانى والعالم والجاهل ولا بين الظالم والمظلوم وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع وجعلوا وجوهها بارزة تنسف عليها الأتربة والرياح والزوابع.
ثم ارتحل عنها طالبا عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربا وتركها وحصونها؛ فوصل إليها المترجم ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقى البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخله من السرور والفرح ما لا مزيد عليه، وأرسل البشائر إلى مصر وأمر بزينتها فنودى بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة، وعمل بها وقدات وشنكات وأفراح ثلاثة أيام بلياليها، وذلك فى أوائل شهر ربيع الثانى، وعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموته واستمر يفشو ويزيد