وفى سنة خمس وسبعين عقد السلطان مجلسا فى الحوش وجمع فيه القضاة الأربعة وهم: القاضى ولى الدين السيوطى الشافعى، والقاضى محب الدين بن الشحنة الحنفى، والقاضى سراج الدين بن حرير المالكى، والقاضى عز الدين الحنبلى. وحضر الشيخ أمين الدين الأقصراى والشيخ محيى الدين الكافيجى، فشكا إليهم السلطان بأن الخزائن قد نفد ما فيها من المال وأن العدو سوار المخذول قد استولى على البلاد وقتل العباد وقد فسدت الأحوال، وكان القاضى أبو بكر بن مزهر كاتب السر الشريف هو المتكلم فى هذا المجلس عن لسان السلطان فقال: إن السلطان يقصد أن يخرج أوقاف الجوامع والمدارس ويترك لها ما يقوم بالشعائر فقط، ويقوى العسكر بما يتحصل من الأوقاف حتى يتقووا به على الخروج إلى التجاريد. فقال الشيخ أمين الدين الأقصراى:
لا سبيل إلى ذلك ولكن السلطان إذا أراد أن يعمل شيئا يخالف الشرع لا يجمعنا فإنا نخاف أن الله تعالى يسألنا يوم القيامة ويقول لنا: لم لا نهيتموه عن ذلك لما ظهر لكم الحق! وأغلظ على السلطان فى القول فانجبه منه وانفصل المجلس مانعا ولم يمكنه من شئ من ذلك.
وفى سنة اثنتين وثمانين سافر ابن مرهر مع السلطان وجملة من العلماء إلى الفرات ثم اعترى السلطان مرض فرجع.
وفى سنة ست وثمانين مستهل جمادى الآخرة طلع القضاة ليهنئوا السلطان بالشهر على العادة فتغير خاطره على القاضى كاتب السر ابن مزهر وعلى قاضى القضاة الشافعى ولى الدين السيوطى وعلى القاضى الحنبلى، واستمر كاتب السر معزولا نحو ثمانية عشر يوما ثم ان السلطان خلع عليه وأعاده إلى وظيفته كما كان.
فلما نزل من القلعة إلى بيته زينت له المدينة بالشمع والزينة واستقبلته المغانى، وكان يوما مشهودا بالتهانى، وفى ذلك يقول زين الدين أبو الخير بن النحاس:
مقام ابن مزهر فوق السها … وقد زاد ربى إجلاله
وظيفته الدهر تسمو به … ولم تك تصلح إلا له
وفى سنة اثنتين وتسعين سافر مع الأمير آقبردى الدوادار إلى نحو جبل نابلس بسبب العربان فمرض هناك فرجع عليلا، وأقام مدة وهو منقطع فى بيته إلى أن مات ثالث رمضان من هذه السنة وله من العمر نحو خمس وسبعين سنة.