بعض القوم لم يخل من الأغراض لعدم موافقته مشربهم قام ذلك البعض من الأمة مضادا لانتخابه وإن كان المتفقون على انتخابه أكثر إلا أن تحزّب هذا البعض بلغ إلى أن عرض الأمر فى ذلك لأولى الأمور المدنية ومن ذلك أخر أمره مدة ما، وحيث كانت أصوات المنتخبين أفوق كثيرا كما ذكرنا ولم يكن لتقدمه مانع سوى التحزب ولتلافى الاصلاح بين الفريقين استقر رأى أولى الأمر على جعله أولا مطرانا على عموم الملة، وقد حصل ذلك وأقيم مطرانا عاما فى ١٠ برموده سنة ١٥٦٩ الموافقة سنة ١٨٥٣، وبذلك ارتفعت المضادة واستمر متولّيا إدارة أمور الملة برتبة مطران سنة واحدة وشهرين، وحيث إن تصرفه الخاص ومشروعاته النافعة للأمة كانت نشهد بانفراده باستحقاق البطريركية أقيم بطريركا فى ١١ بؤنه سنة ١٥٧٠ الموافقة سنة ١٨٥٤ فى أواخر خديوية المرحوم عباس باشا حفيد الخديوى الكبير الذى توفى فى تلك السنة وتولى الخديوية بعده المرحوم سعيد باشا نجل الخديوى الكبير، وبعد توليه البطريركية جد فى تكميل مشروعاته النافعة؛ فأنشأ المدرسة الكبرى القبطية بالأزبكية وفتح مدرسة أخرى بحارة السقائين، وجدّد فيهما اللغة القبطية بعد دثورها وجدّد فيها لغات وعلوما أخر، ونظم مكتبين للبنات وجدد كنيسة للأمة بحارة السقائين.
وفى السنين الأخيرة من حياته نقض الكنيسة البطريركية القديمة وأسس خلافها بالنظام اللائق بمثلها، ولو لم تكن مدته قليلة لا سيما وقد تخللها سفره لبلاد الحبشة الذى عاقه عن إتمام أعماله إذ تغرب عن مركزه نحو السنتين لتمم الكنيسة الكبرى وغيرها على أحسن نظام، ومع ذلك فإن حالة الإدارة البطريركية من جهة سياسة الإكليروس ورعاية الأمة ونحو ذلك قد امتازت/فى مدته كثيرا جدا عن السابق.
ولقد كان هذا البطريرك حاذقا نبيها ذا عناية شديدة بالمنقطعين وذوى البيوت من أمته طلق اللسان عارفا بالتاريخ مدققا فى علوم الدين المسيحى محافظا على حدود المذهب ماقتا للرشوة غير مكترث بالمال قائما بأعباء وظيفته.
وفى الحقيقة: أنه كان لم تعب سيرته بشئ ما ولو لم يكن حادا فى المشروعات سريع الإقدام على الأمور التى تفتقر للتأنى والمشورات لكان يعجز القلم عن تحبير صفاته، ومع ذلك