ولولا غفلة الفرنسيس عن اتباع أثر المنهزمين لدخلت مصرفى قبضتهم؛ لأنه لم يكن بها حينئذ جيش غير هذا الجيش، ولكن قضى الله بذلك لأمر يعلمه. وأقام الملك ينتظر حضور أخيه بمن معه من العساكر.
وأما نجم الدين أيوب، فبعد أن أفاق من دهشته وتفكر فى الأمور، أقام فى مدينة المنصورة، وجعل الاستحكامات فيها بين المدينة والبحر الصغير، وجمع من جميع جهات القطر ما تعظم به القوة، وتتم به المدافعة.
وفى أثناء ذلك اشتدّ مرض السلطان ومات، فأخفت زوجته شجرة الدرموته؛ خوفا من فتور همة الجيش عن الحرب، وذلك باتفاقها مع رئيس الجيش عز الدين أيبك، وعقد الكلام بينهما، على أن ذلك الإخفاء يستمر إلى/حضور ولدها الملك-الملقب بطوران شاه- من ديار بكر.
ثم حضر جيش النصارى من البر الشرقى إلى البحر الصغير، ورغبوا مجاوزته والعبور عليه، فمنعهم المسلمون من ذلك، ثم دلهم بعض الناس على جهة يخوضونه منها نظير مبلغ ألف فرنك جعلوها له، فساروا إلى ذلك الموضع، فعلم المسلمون بذلك فمانعوهم، واقتتل الفريقان ولم يجد ذلك شيئا، بل جاز جيش النصارى البحر، وساروا حتى دخلوا المنصورة، فدخل أخو الملك داخلها مع جماعة من العسكر، وانفرد عن الجيش فتفرق جمعه، ولكن قيض لهم من جمع شملهم، ولولا ذلك لأخذت مصر وقتها.
وفى هذه الواقعة، نزل أهل المنصورة المقبرة الإسلامية، وقاتلوا من دخل المدينة وأفنوهم عن آخرهم، وفيهم أخو الملك، وكان جيش النصارى متفرقا بعضه فى البر البحرى، وبعضه فى البر القبلى، فكان المسلمون ينتهزون الفرصة، ويحاربون هذا الفريق تارة والآخر تارة، ومع ذلك لم يتم النصر لأحد الفريقين فى هذا اليوم. وكانت النصارى زحزحت المسلمين عن معسكرهم، وفى اليوم الثانى حضر طوران شاه وتقلد بأعباء الملك، فاصطدم الفريقان صدمة هلك فيها كثير من الفريقين، ولم يتم الفوز لأحد من الفريقين على الآخر فى هذا اليوم أيضا.