وقد اختلفت فى قصد المصريين من المسلات، فقال (بلين): كانوا يجعلون المسلة علما على شعاع الشمس. وزعم (بيكانوس) أن المسلة كانت علما على الحياة السرمدية الكاملة الطيبة، وفيها تكون الروح بعد مفارقتها الجسم، وهكذا من هذا القبيل.
وفى اللسان العتيق المسلة إشارة إلى الثبات لا غير، فإن كل مسلة تنتهى إلى هرم صغير، دقيق من أعلاه. وفى هذه الصورة تكون المسلة أقرب شبها لهرم قاعدته طويلة، وكان الهرم عند المصريين إشارة للبقاء والدوام، ولا بد أن هذا هو السبب فى جعل مقابر الفراعنة فى الصورة الهرمية، والمسلات تقرب منها فى الشكل فلا تدل إلا على الثبات، ولذا كانت توضع فى المعابد دائما قبل الأبواب الجسيمة، التى كان يكتب على جوانبها عبارة معناها: الباقى على الدوام.
وحينئذ فالمسلتان أمام كل معبد كحرفين من حروف الهجاء، أو كلمتين معناهما ما ذكر.
ومن العادة القديمة فى مصر: بناء المعابد باسم الآدميين، وكان لهم فيها عبادة فى أوقات مخصوصة أشبه بالأعياد، ويبجّلونهم فيها ويعظمونهم كما يبجل الخالق ﷾، فمن ذلك: معبد (منيس) مؤسس الدولة المصرية، وكان له قسوس مخصوصة، وكذا كان للفراعنة الذين بنوا الأهرام.
وبقيت هذه العادة إلى زمن البطالسة، وأتبعها عقبهم، وسار على آثارهم الرومانيون، فكانت قسوس مختصة ب (برنيس) وأخرى مختصة ب (أرسنوى) من بنات البطالسة.
والرومانيون أخذوا عن المصريين عادة المسلات، ولكن لجهلهم بما كانوا يقصدونه جعلوها بعيدة عن المعابد. وحيث كانت أفكارهم متجهة نحو المفيد النافع، كانوا يجعلونها فى مقاصد نافعة، مثلا: المسلتان المنقولتان فى زمن (أغسطس) قيصر الروم من إسكندرية، وضعت إحداهما فى الميدان المعروف ب (شان دومارس) واستعملت كمزولة لبيان الوقت، والأخرى جعلت حدا، وصارت هذه العادة مستعملة فيما بعد، وصارت المسلات توضع فى ميادين الألعاب، فحصل فى ميدان قيصر الروم (تبرون)(١) فى الفاتيكان، وفى ميدان إسكندرية، وفى ميدان قسطنطينية.
(١) الصحيح «نيرون». انظر: اضمحلال الإمبراطورية الرومانية، ج ١، ص ٥٩.